تتزايد الضغوط على الأجهزة الأمنية في ألمانيا مع تعاظم أخطار التهديدات الإرهابية بفعل تأثيرات الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، إذ ارتفعت نسبة التوترات على الأرض من طرف مجموعات همّها زعزعة الاستقرار في البلاد. فما هو حجم التهديدات الداخلية والخارجية؟ وما هي العواقب الناتجة من تفشي الطيف اليميني المتطرف الذي يكتسب نفوذاً، ومن التجسس الخارجي، والهجمات الجهادية، في وقت تعيش البلاد عرساً رياضياً باستضافتها بطولة أمم أوروبا في كرة القدم والمستمرة فعالياتها حتى 14 تموز (يوليو) المقبل؟
تدابير مشددة
وبحكم أن للأمن الأولوية القصوى، اتخذت وزارة الداخلية الاتحادية احتياطات أمنية وتدابير حماية وقائية مشددة لبطولة "يورو 2024"، إذ تم فرض ضوابط ومراقبة على كل المنافذ الحدودية حتى 19 تموز، بينها مع الدنمارك وفرنسا ودول البنلوكس للمرة الأولى، ويتم التفتيش والتدقيق بوثائق الواصلين من دول شينغن، فضلاً عن تدابير أمنية أخرى تشهدها المطارات والمرافق البحرية ومحطات السكك الحديدية، وسط الخشية المحتملة من تسلل إسلامويين، وغيرهم من المتطرفين لتنفيذ أعمال إرهابية تخريبية. كل ذلك تزامناً مع الاحتياطات الأمنية الشاملة التي تتخذها قوات الشرطة ورجال الإنقاذ وخدمات الطوارئ على مستوى الولايات لدرء أي أخطار أو أعمال شغب. مع العلم أنه تم إنشاء مركز دولي للتعاون الشرطي في مدينة نويس التابعة لولاية شمال الراين فستفاليا، حيث يصار إلى جمع المعلومات والتنسيق مع قوات الشرطة في كل أنحاء أوروبا.
أخطار إسلاموية وتجسس
وفي خضم ذلك، أبرز تقرير المكتب الاتحادي لحماية الدستور لعام 2023 الصادر هذا الأسبوع، أنه يمكن ملاحظة مجموعة واسعة من الأنشطة التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الروسية في ألمانيا، وبخاصة في الفضاء الرقمي، والتي تراوح بين التهديدات الهجينة مثل الهجمات السيبرانية والتجسس الكلاسيكي، حتى أنه أبلغ عن عمليات تخريبية مخطط لها نيابة عن الروس لتقويض الدعم العسكري لأوكرانيا، فضلاً عن التهديدات الإرهابية الإسلاموية المتطرفة والتطرف اليميني، ناهيك بتكثيف دول أخرى أنشطتها.
وأفاد التقرير بأن السلطات تواجه خصوماً يحاولون تحقيق أهداف بجرأة أكبر من أي وقت مضى، كما فرض النهج الذي تسيطر عليه الصين استراتيجياً متطلبات خاصة على الدفاع السيبراني والتجسس، فضلاً عن إيران التي تتجسس ضد ألمانيا على نطاق واسع، وفق ما بينت وزيرة الداخلية.
وفي هذا الصدد، قال رئيس المكتب توماس هالدنفانغ خلال مؤتمر صحافي في برلين، إن التهديدات المتزايدة تشكل تحديات كبيرة للاستخبارات الداخلية، مبينا أن البلاد تواجه حالياً مستوى عالياً من التهديدات، وأن خطر الهجمات الجهادية ازداد أكثر منذ عملية "طوفان الأقصى"، والصراع في الشرق الأوسط كان بمثابة "عامل تسريع لمعاداة السامية في ألمانيا التي زادت جرائمها كثيراً، وهذا ما يثير قلقنا". حتى أن التقرير تضمن في فصل خاص الظواهر المتقاطعة بشأن آثار الصراع في المنطقة وتأثيراته على العالم، لا سيما أن جهات متطرفة مختلفة استخدمت الصراع للتحريض على الكراهية والعنف. وتم الإبلاغ عما مجموعه 39433 جريمة ذات خلفية متطرفة في عام 2023.
وأشار التقرير إلى أنه وفي مجال الإرهاب الإسلاموي "الاحتمال الثابت تقريباً وجود ما يصل إلى 27200 شخص، وألمانيا لا تزال وبشكل متزايد في أوروبا بؤرة تركيز للمنظمات الإرهابية الجهادية، وهذا ما يهدد المصالح والمؤسسات الألمانية، وأن داعش استغل الأحداث الجارية كفرصة للدعوة إلى الجهاد".
من جهة ثانية، أشار مكتب حماية الدستور إلى ظهور المتطرفين اليمينيين الأتراك والمتطرفين اليساريين الألمان والأتراك في التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وكمحركات تعبئة إلى جانب الإسلاميين المتطرفين.
ورغم أن الأرقام ليست مفاجئة لكنها لا تزال مخيفة. واعتبر الباحث السياسي توماس برغمان في حديث إلى "النهار العربي"، أن "هناك قلقاً متزايداً في البلاد من احتمال وقوع هجمات ذات دوافع إسلاموية، والتوجس الأكبر هو من تنظيم داعش - ولاية خراسان الإسلامية الذي نفذ الهجوم الإرهابي على قاعة الحفلات الموسيقية قرب موسكو في آذار (مارس) 2024 وخلف أكثر من 130 قتيلاً"، لافتاً إلى أن الجماعة "تتمتع بقدرات تنظيمية متماسكة وشبكات محترفة وعدوانية، وتستخدم الدعاية عبر الشبكة العنكبوتية لتعبئة الإسلاميين والجهاديين في كل أنحاء أوروبا، وهذا ما يجعل خطرها كبيراً جداً".
تجدر الإشارة إلى أن هذا التنظيم معروف لدى السلطات الألمانية، وكان رئيس الاستخبارات هالدنفانغ قد أعلن في وقت سابق أن "نشاط هذه المجموعة يزيد من حالة التهديد في ألمانيا، وألقي القبض على أفغانيين اثنين في ولاية تورينغن، واعترفا بأنهما كانا يعدان لهجمات على البرلمان في استوكهولم".
تعاظم حضور اليمين المتطرف
وبخصوص تعاظم دور اليمين المتطرف، أوردت الاستخبارات بوضوح شديد أن أنشطة التشبيك لما يسمى "اليمين الجديد" مستمرة في التزايد، وأهمية هذه الجهات الفاعلة في المشهد المتطرف في تزايد ووصل عدد أفرادها إلى ما يقارب 40600 شخص، بينهم 14500 من ذوي التوجهات العنفية، فيما زاد العدد المحتمل للمنتمين إلى "مواطني الرايخ" ممّا يقارب 2300 إلى 25000 شخص في عام 2023، والخطر كبير بوجود ميل لدى كثيرين إلى استخدام الأسلحة.
كما بينت التقارير أن عدد المتطرفين اليساريين نما إلى 37 ألف شخص، بزيادة 500 شخص عن عام 2022، والجرائم التي ارتكبها هذا الطيف مثيرة للقلق وبلغ عددها 727. وأمام تعاظم هذه الأرقام، قال السياسي عن حزب الخضر كونستانتين فون نوتس إن منطق "التقشف" المعمول به حالياً في سياسة الموازنة يمثل مشكلة عندما يتعلق الأمر بالأمن الداخلي، مكرراً دعوته إلى إنشاء صندوق خاص لذلك، وداعياً الأحزاب الأخرى وفي مقدمتها الاتحاد المسيحي أكبر أحزاب المعارضة إلى دعم الطرح بغية استثمار المزيد من الأموال في السياسات الأمنية.