النهار

"بوليتيمبياد" باريس: هل تهدّد المنازلة دور فرنسا الخارجي؟
المصدر: النهار العربي
يفيد استطلاع شركة "إيبسوس" الذي أجرته خصيصاً لـ "راديو فرنسا" و"لو باريسيان" حول الدورة الأولى، بأن ٣٥،٥ في المئة من الناخبين ينوون انتخاب "اتحاد اليمين" بقيادة "التجمع الوطني"، و٢٩٫٥ في المئة لـ "الجبهة الشعبية الجديدة"، و١٩٫٥ في المئة لتحالف "معاً" الموالي للرئيس ايمانويل ماكرون.
"بوليتيمبياد" باريس: هل تهدّد المنازلة دور فرنسا الخارجي؟
مارين لوبن ورئيس حزبها الشاب جوردان بارديلا
A+   A-
باريس - شارل سابا 

قبل شهر من "أولمبياد" و"بارالمبياد" باريس 2024، يشهد الـ"بوليتيمبياد" أو "الأولمبياد السياسي" الفرنسي الأمتار الأخيرة من السباق الانتخابي السريع الأوّل، على غرار ذاك الخاص بالمئة متر مع حواجز، مع فارق تدني الأخلاق الرياضية في الحالة السياسية. 
 
وفي الترجيحات في هذا الشوط، يفيد استطلاع شركة "إيبسوس" الذي أجرته خصوصاً لـ"راديو فرنسا" و"لو باريسيان" حول الدورة الأولى، بأن 35.5 في المئة من الناخبين ينوون انتخاب "اتحاد اليمين" بقيادة "التجمع الوطني"،  و29.5 في المئة لـ"الجبهة الشعبية الجديدة"، و19.5 في المئة لتحالف "معاً" الموالي للرئيس إيمانويل ماكرون. 

القدرة الشرائية والعنصريّة ومعاداة الساميّة 
مع إطلاق صافرة إعلان اللوائح والبرامج الانتخابية، يشرد نظر الناخبين إلى الهموم الداخلية، وأبرزها كيفية استعادة القدرة الشرائية بعد الانهيار الكبير منذ عامين، فيما لا يوفّر عدّاؤو اللوائح النزال حول السياسة الخارجية ومكانة فرنسا في العالم.
 
وفي استطلاع آخر للرأي حول المواضيع الأهمّ بالنسبة إلى الناخب الفرنسي، أجرته قناة "بي إف إم تي في" وأُعطي فيه المستطلعون إمكان الإجابة بخيارين، أعطى 58 في المئة من المستطلعين الأولوية لاستعادة القدرة الشرائية، و36 في المئة للأمن، و33 في المئة لقضية الهجرة إلى فرنسا. 
 
لذلك، تدور السجالات الإعلامية والحملات الانتخابية في إطار المزايدة الكبيرة حول هذه القضايا، نظراً إلى المهلة المقتضبة الفاصلة بين إطلاق البرامج الانتخابية وفتح صناديق الدورة الأولى، والتي لا تتخطّى الأسبوع الواحد.
 
ويعتمد تحالف "معاً" الداعم للرئيس ماكرون حملة سلبيّة، مركّزاً على التحذير من "تطرّفين"، ومشدّداً على اتهام حزب "فرنسا الأبية" في إطار "الجبهة الشعبية الجديدة" بمعاداة الساميّة، نظراً إلى معارضة بعض مرشّحي الحزب للصهيونية، مع عدم إهمال مسعى حشر "التجمّع الوطني" في خلفياته العنصرية. ونظراً إلى تدهور شعبية الرئيس الفرنسي، وعدم نجاح سياساته المالية، والدوليّة، والبيئية، يتحاشى أركان "معاً" التطرّق إلى سياسات الرئيس، مع شطحات تصل إلى انتقاده العلني على غرار مقابلات حليفه رئيس حزب "آفاق" رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب.
 
في المقابل، يستعمل "التجمع الوطني" مسألة الهجرة إلى أقصى الحدود، فهي في نظره تصيد عشرة عصافير بحجر واحد. 
فبالنسبة إليه، تعزيز القدرة الشرائية للفرنسيين يمرّ بدعم أسعار الوقود على حساب الأموال التي تذهب إلى دعم عائلات المهاجرين وبطالتهم. كما أنّ أمن الفرنسيين يتحقّق عبر وقف الهجرة غير الشرعية، وطرد المخالفين من المهاجرين.
 
وإذا كانت منطلقات "التجمّع الوطني" على حالها في كلّ عرس، فإنّ ما يميّز السباق الحالي تكرار أركانه استعدادهم للحوار وتقديم التنازلات لتشكيل ائتلاف قادر على تولّي السلطة، في مسعى واضح لنقل "التجمّع" من خانة "الشعبويّة" الرافضة للنظام إلى "القوس الجمهوريّ" المنخرط في لعبة الحكم. 
 
واستعادت "الجبهة الشعبية الجديدة"، من جهتها، "المانيفست" الاقتصادي – الاجتماعي، من رفع الحد الأدنى للأجور، وإقرار زيادة أجور القطاع العام، وخفض سن التقاعد مجدداً، والعودة عن إصلاحات قانون البطالة، وزيادة التقديمات الاجتماعية. إلا أن نيات بعض رموزها بحقّ بعضهم الآخر لا تزال تظهر على فلتات ألسنتهم، إذ يكرّر أركان الحزب الاشتراكي، ومعه حزب "الساحة العامة" و"الخضر" التبرّؤ من مرشّحي شريكهم في الجبهة حزب "فرنسا الأبية"، المعارضين للصهيونية، والتنكّر لترشيح زعيمه جان لوك ميلانشون إلى رئاسة الوزراء. 

دور فرنسا الخارجي بين عريضة الدبلوماسيين واتصالات "التجمّع الوطني"
في موازاة المضمون الخطابي للحملات وسباق أرقام الترجيحات، يخوض الفرقاء منازلة ألعاب قوى شاملة، تُستعمل فيها الأسلحة كافة، داخليّة منها كانت أو خارجيّة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تصطفّ المجموعات الإعلاميّة وخلفها الإمبراطوريات الماليّة دعماً للمرشحين من يسار الوسط إلى اليمين، فيما تخلّت النقابات العمّالية والاتحادات المهنية عن حيادها السياسي، معلنةً الانخراط دعماً لـ"الجبهة الشعبية الجديدة".
 
وفي متن هذا السياق، لم يوفّر الانقسام السياسي الداخلي الدور الفرنسي الخارجي. إذ نشرت مجموعة مكونّة من 170 دبلوماسياً وسفيراً سابقاً عريضة في صحيفة "لوموند"، محذّرة من فوز "التجمّع الوطني"، و"إضعاف فرنسا وأوروبا في وقت الحرب"، وإفادة روسيا وأعداء أوروبا والنظم غير الليبرالية منه. ودارت عريضة مماثلة "غير موقّعة" في أروقة الجسم الدبلوماسي الفرنسي، محذّرة من تأثير أفكار "التجمّع الوطني" التمييزيّة على أساس الانتماء الديني والجغرافي، والرفضيّة تجاه أوروبا، على هذا الجسم، ودور فرنسا الخارجي، ومناعة حياتها السياسية أمام التدخلات الأجنبية.
 
واستمرّ "التجمع الوطني"، من جهته، في نسج شبكة علاقات خارجية بعيدة عن الأضواء لتحضير الأرضية في حال وصوله إلى السلطة التنفيذية. ففيما كان مرشّحه إلى رئاسة الوزراء جوردان بارديلا يعلن أنه "لن يعترف بدولة فلسطين الآن"، في مسايرة واضحة لإسرائيل، كان أركان حزبه يركّزون اتصالاتهم على الدول العربية، وخصوصاً السعودية، ومصر، والإمارات، وقطر، مبدياً في الوقت عينه استعداده لاستئناف الحوار مع سوريا وإيران. وفيما لا يستطيع "التجمّع الوطني" التنكّر لعلاقته التاريخية بروسيا، أعلن دعمه المقاومة الأوكرانية، مع احترام الخطوط الحمر الروسيّة في حدود هذا الدعم، من دون أن ينسى حتماً تطمين الحليف الأميركي، لا سيّما الجناح الجمهوري منه. 
 
إذا كانت نتائج الدورة الأولى باتت شبه معروفة، نظراً إلى دقّة الاستطلاعات الجارية في ظل الانقسام الجذري بين المعسكرات على بعد 4 أيّام من خط النهاية، يبقى القول إن مآلات الدورة الثانية لا تزال تحكمها خشيتان: نجاح محور يميني عماده "التجمّع الوطني" في الحصول على غالبيّة، أو الدخول في فوضى سياسية تعيق عمل السلطات الدستورية، من جمعية وطنية وحكومة. في الحالتين، ماذا سيكون قرار الرئيس؟ وهل يستجيب لدعوة غريمته مارين لوبن إلى الاستقالة وإطلاق صافرة سباق رئاسي مبكر؟ وما تأثير كل ذلك على دور فرنسا في أوروبا والعالم؟
 

اقرأ في النهار Premium