النهار

هزات ارتدادية محتملة في برلين لوصول اليمين المتطرف إلى السلطة في باريس
برلين - شادي عاكوم
المصدر: النهار العربي
ما تداعيات تسلّم اليمين المتطرف رئاسة الحكومة الفرنسية على برلين، الشريك الأساسي لباريس داخل الاتحاد الأوروبي؟
هزات ارتدادية محتملة في برلين
لوصول اليمين المتطرف إلى السلطة في باريس
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) والمستشار الألماني أولاف شولز (أ ف ب)
A+   A-
بات وصول اليمين المتطرف إلى الحكم احتمالاً واضحاً بعد الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي حلوله في المرتبة الأولى بزعامة "التجمع الوطني". 
فما تداعيات تسلم اليمين المتطرف مفاتيح "ماتينيون" على برلين، الشريك الأساسي لباريس داخل الاتحاد الأوروبي، مع أن الجميع بانتظار جولة الإعادة في الانتخابات الفرنسية في 7 تموز (يوليو) المقبل؟
 
هيمنة ألمانية؟
بينت قراءات سياسية أن القوميين اليمينيين مرشحون جدياً لأن يصبحوا الكتلة الأقوى في الجمعية الوطنية الفرنسية، وسط انقسامات في شأن تشكيل "جبهة جمهورية" دأبت في دورات سابقة على صد وصول "الجبهة الوطنية" الى السلطة.
 وسيكون ماكرون مضطراً لتعيين الزعيم جوردان بارديلا رئيساً للحكومة، الأمر الذي قد يمهد للزعيمة السابقة لحزبه مارين لوبَّن رئيسة للجمهورية في عام 2027، هذا إن لم يقدم ماكرون على تقديم استقالته قبل هذا الموعد.
 
حيال ذلك، رأى البروفسور والمؤرخ هارتموت كاليبلي، في لقاء مع شبكة "أن تي في" الإخبارية، أن ثمة تبعات ستخلّفها نتائج الانتخابات الفرنسية على ألمانيا، مع وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، "فالتعاون الفرنسي – الألماني المستقبلي سيكون محفوفاً بالمخاطر، وبعواقب بعيدة المدى، إذ سيتبادل البلدان المراقبة اللصيقة، في محاولة لتأثير كل منهما في قرارات البلد الآخر المصيرية.
 
من ناحية أخرى، جدار الحماية الذي تريد الأحزاب التقليدية في ألمانيا الاستمرار في رفعه بوجه الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا"، الذي نال 16 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأوروبية، سيتعرض للخطر بسبب النموذج الفرنسي، وسيعزز الحجة القائلة إن التعاون مع حزب "البديل" سيكون ممكناً أيضاً.
 
إلى ذلك، سيضيّق التجمع الوطني الفرنسي التعاون مع ألمانيا بفعل الاعتقاد السائد أن باريس تقع تحت رحمة القوة الألمانية المتفوقة في الاتحاد الأوروبي، وأن برلين تعرّض السيادة الوطنية الفرنسية للخطر.
 
عواقب سلبية
في رد مبدئي، قال باتريك براندماير، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة والصناعة الألمانية الفرنسية، لوكالة الأنباء الألمانية، إن لفوز حزب التجمع الوطني في الانتخابات الفرنسية تأثيرات وعواقب سلبية على العلاقات بين برلين وباريس، مشيراً إلى أن خطط الحزب اليميني الشعبوي تقوم على زيادة الإنفاق الحكومي ورفع الضرائب، فضلاً عن التشكيك في اتفاقيات التجارة الحرة، "وفي نهاية المطاف، ألمانيا أكبر مستثمر أوروبي في فرنسا، وباريس ثاني أهم سوق تصدير للشركات الألمانية". ومعلومٌ أن العلاقات بين البلدين تعززت أخيراً في السياسة المالية والمصرفية، وفي مشاريع التسليح الأوروبية بين الحكومات على الرغم من الاختلاف في المصالح، وقد يعمد رئيس حكومة ينتمي إلى التجمع الوطني اليميني المتطرف إلى تجميدها.
 
ما زال قرار ماكرون بدعوته إلى انتخابات مبكرة لغزاً. وهناك تفهم غير مقنع بين معظم الألمان لهذا الأمر، لا سيما أنها جاءت في وقت تنشغل فيه أوروبا بأزمات وجودية، أهمها الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط والصراعات مع الصين والانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وذلك كله في ظل تساؤلات حول إمكانية إعادة تشكل المعسكرات السياسية القديمة في فرنسا.
 
العلاقة مع الاتحاد الأوروبي
في ما يخص مستوى التنسيق بين أقوى شريكين أوروبيين بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي، يبدو أن هناك مجموعة مغايرة من المعطيات ستتحكم بمسار الأمور في بروكسل. يرى الدكتور عبد المجيد عيادي، نائب رئيس المنظمة العربية - الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي في ألمانيا والمتخصص في قضايا التكامل الاقتصادي الأوروبي - العربي، أنه على الرغم من أن التجمع الوطني تخلى رسمياً عن فرض خروج فرنسا من التكتل أو اليورو بهدف كسب احترام الوسط السياسي في فرنسا، لكنه دعا إلى إعادة هيكلة الاتحاد الأوروبي جذرياً، والعودة إلى الهياكل الأقل تكاملاً التي كانت سائدة في سبعينيات القرن الماضي، عندما لم يكن هناك مجلس أوروبي، وعندما كان البرلمان الأوروبي ضعيفاً، وكانت سلطات المفوضية الأوروبية أقل كثيراً مما هي اليوم. وهذا برأيه قد يُضعف التكتل كثيراً.
 
من جهة ثانية، لفت العيادي إلى أن بارديلا دعا في برنامجه الانتخابي إلى الخروج عن القواعد التنظيمية الأوروبية لأسعار الكهرباء، وهذا يقلق الأوروبيين. وأوضح أن إعادة إقامة حواجز الطاقة مرة أخرى داخل أوروبا "سيترك عواقب وخيمة على دول الجوار عامةً، وعلى ألمانيا خاصةً، لا سيما أن من شأن ذلك أن يزيد كثيراً خطر حدوث مشكلات في العرض وارتفاع الأسعار". وفي المحصلة، في حال وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في فرنسا، لن يتمكن من تغيير المعاهدات الأوروبية وإعادة بناء التكتل ببساطة، لكن الحكومة الألمانية ستواجه أغلبية أخرى في المجلس الأوروبي ذات أهداف وبرامج غير متناسقة مع الشكل التي تطمح إليه.
 
تماشياً مع ما تقدم، يقول مراقبون إن سلوفاكيا، وإيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني، والمجر بزعامة فيكتور أوربان، ومعهم بارديلا في فرنسا، سيتمتعون بثقل أكبر كثيراً مما كانوا عليه حتى وقت قريب، مع حكومة حزب القانون والعدالة البولندية. وهنا، تندرج الخشية أيضاً من حضور اليمين المتطرف في بلجيكا والنمسا بعد مشاركة يمينية متطرفة في حكومات السويد وفنلندا وهولندا. فهذا يعني إمكانية أن تتعرض قرارات الاتحاد الأوروبي لعرقلة أكبر، أكثر من أي وقت مضى، تحديداً أمام التهديدات والمخاطر الكبرى التي يواجهها الأمن الخارجي لأوروبا من روسيا، وخطر تخلف أوروبا عن الركب في ظل الصعود الاقتصادي الصيني والأميركي، فضلاً عن مخاطر أزمة المناخ.
 
خشية تقلق المستثمرين
كذلك، يلفت محللون إلى الخشية من تمادي الاضطرابات في فرنسا، إذا عمد اليمين المتطرف  عند توليه السلطة إلى تنفيذ خططه، وبينها تعديل الإصلاحات التي أقدم عليها ماكرون في نظام التقاعد. فهذا قد يعرض الأسواق المالية لضغوط كبيرة، إلى جانب ارتفاع الديون والمخاوف بشأن أزمة يورو جديدة، ومخاطر إضافية على الاقتصاد الفرنسي. وهذه المسائل كلها تهدد مآل الأمور وتقلق المستثمرين، وربما يؤدي الدين الإضافي إلى ارتفاع أسعار الفائدة على سندات الحكومة، وبالتالي يُفرض المزيد من الأثقال على ميزانية الدولة المنهكة أساساً.
 
في خضم هذه الوقائع، بينت "فرانكفورتر روندشو" أن المفوضية الأوروبية قررت بالفعل بدء إجراءات ضد فرنسا لخرقها قواعد الديون، وهذا قد يخلق مواجهة وشيكة مع بروكسل، وقد يدفع إلى زعزعة استقرار الاتحاد النقدي كله، وإضعاف العملة الأوروبية الموحدة، وسط شكوك بخصوص إمكانية اليمين المتطرف تمويل خطط الإنفاق الباهظة من دون انتهاك قواعد الديون. ففي عام 2023، عانى ثاني اقتصاد في منطقة اليورو عجزاً بنسبة 5,5 في المئة من الناتج الاقتصادي.
 
أمام ذلك، تطرح تساؤلات حول صدقية السياسة المالية الفرنسية، وما إذا كان المركزي الأوروبي سيتدخل في حال اضطراب الأسواق المالية في باريس. فقواعد الدين في الاتحاد الأوروبي تنص على حد أعلى قدره ثلاثة في المئة فقط.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium