يبدأ الفرنسيون في أقاليم ما وراء البحار الإدلاء بأصواتهم السبت في الجولة الثانية والأخيرة من انتخابات تشريعية تاريخية تراقبها عن كثب عواصم عدّة مع صعود اليمين المتطرّف وتشكّل "جبهة جمهورية" لمواجهته.
وسيكون الناخبون في أرخبيل سان-بيار-إيه-ميكلون في شمال المحيط الأطلسي أول المتوجهين إلى صناديق الاقتراع السبت اعتباراً من العاشرة صباحاً بتوقيت غرينتش. وفي الدائرة الوحيدة في الإقليم يتنافس مرشّح ميوله يمينية وآخر اشتراكي.
يليهم في الدور ناخبو غويانا والأنتيل وفرنسيو أميركا الشمالية وبولينيزيا ثمّ كاليدونيا الجديدة في فترة المساء.
أمّا ناخبو فرنسا القاريّة وأقاليم ما وراء البحار الأخرى، فسيدلون بأصواتهم الأحد.
نادراً ما أثارت انتخابات تشريعية في فرنسا قدراً مماثلاً من القلق لدى البعض والأمل لدى آخرين يريدون منح اليمين المتطرّف إمكانية الحكم من خلال التصويت لحزب التجمّع الوطني برئاسة جوردان بارديلا (28 عاماً) الطامح لتولّي رئاسة الحكومة.
وسيشكّل قيام حكومة برئاسة اليمين المتطرّف، سابقة في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.
وقبل ساعات من اختتام الحملة الانتخابية منتصف ليل الجمعة السبت وبدء فترة الصمت الانتخابي، أظهرت استطلاعات عدّة لنوايا التصويت تقارباً بين الكتل الثلاثة: في اليمين المتطرّف حزب " التجمّع الوطني " وحلفاؤه، في اليسار تحالف " الجبهة الشعبية الجديدة " وفي يمين الوسط معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون.
وفي الجمعية الوطنية الجديدة التي ستتشكّل على أثر نتائج الانتخابات التشريعية الأحد، لن يكون لليمين المتطرّف وحلفائه أغلبية مطلقة (289 نائباً) إنّما سيحصل على 170 إلى 210 مقاعد حسبما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة. تتبعه "الجبهة الشعبية الجديدة" مع 155 إلى 185 مقعداً، ثمّ معسكر ماكرون الذي يُرجّح حصوله على ما بين 95 و125 مقعداً.
"حزب واحد"
ومنذ قرار ماكرون المفاجئ حل الجمعية الوطنية بعد فشل معسكره في الانتخابات الأوروبية في التاسع من حزيران (يونيو)، أكّدت التطوّرات التي تعيد تشكيل المشهد السياسي الفرنسي صعود حزب " التجمّع الوطني " الذي يأمل في الوصول إلى السلطة.
غير أن الخوف من قيام حكومة برئاسة اليمين المتطرّف أفضى بعد مفاوضات شاقّة إلى تشكيل "جبهة جمهورية" جديدة، مع انسحاب حوالى 200 مرشّح من اليمين ويمين الوسط واليسار لقطع الطريق أمام مرشّحي " التجمّع الوطني " في الجولة الثانية.
وندّدت زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبن بتشكيل "حزب واحد" يجمع "الذين يريدون البقاء في السلطة بخلاف إرادة الشعب".
وحذّر العضو اليساري في البرلمان الأوروبي رفاييل غلوكسمان، وهو مؤيد للتكتّل اليساري رغم معارضته لحزب " فرنسا الأبية " اليساري الراديكالي، من تراجع عزيمة الناخبين، مؤكّداً أنه لا يمكن استبعاد إمكانية حصول اليمين المتطرّف على غالبية مطلقة.
وقال مساء الجمعة "خلافاً لما يقال، ليس مضموناً أبداً حالياً" ألّا يحصل اليمين المتطرّف على غالبية مطلقة.
من جهته، حذّر رئيس الوزراء غابريال أتال عبر قناة " فرانس 2 " مساء الجمعة من أن "الخطر اليوم يتمثّل في غالبيّة يُهيمن عليها اليمين المتطرّف، وهذا سيكون مشروعاً كارثيّاً".
وفي حال اقتراب حزب " التجمّع الوطني " من غالبية 289 نائباً في الجمعية العامة أو حصوله عليها، سيصبح بارديلا أصغر رئيس حكومة فرنسية سنّاً في التاريخ وسيطبّق مشروعاً مناهضاً للهجرة يروّج له حزبه منذ عقود.
لكن في حال عدم انبثاق غالبية واضحة، ستهيمن حالة من الإرباك والبلبلة السياسية غير المسبوقة.
وتحدّث أتال الجمعة عن احتمال حصول عرقلة سياسية، مؤكّداً أن بإمكان حكومته ضمان استمرارية الدولة "للوقت اللازم" إذا لم تنبثق غالبية واضحة عن صناديق الاقتراع، من خلال تصريف الأعمال بانتظار تشكيل حكومة جديدة.
خلط مستحيل
من هنا ظهرت فكرة تشكيل ائتلاف واسع يضمّ جزءاً من اليسار وكتلة الوسط واليمين الرافض لاتّفاق مع حزب " التجمّع الوطني ". لكن على أي برنامج يمكن أن يتّفق هذا التحالف الذي يصفه خبراء سياسيون بأنّه أشبه بالخلط المستحيل بين نقيضين.
وقال مصدر مقرّب من الرئيس إيمانويل ماكرون الجمعة "يمكن للفرنسيين الأحد فرض ائتلاف جمهوريين في صناديق الاقتراع".
وقد تنتهي الانتخابات وتصدر النتائج من غير أن يُعرف من سيحكم فرنسا، وذلك قبل شهر من استضافة باريس للألعاب الأولمبية التي تجري بين 26 تموز (يوليو) و11 آب (أغسطس).
وجرت العادة في فرنسا أن تستقيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية. وأشار أتال إلى أنّه سيعلن قراره مساء الأحد.
وشهدت نهاية الحملة الانتخابية هجمات وأعمال عنف ضد مرشّحين أو ناشطين. وفي مواجهة تجاوزات محتملة مساء الأحد، سيتم تعبئة 30 ألف عنصر شرطة من بينهم خمسة آلاف في باريس.