أفادت السلطات الأمنية الألمانية أخيراً بأنه كان هناك مخطط روسي لاغتيال أرمين بابيرغر الرئيس التنفيذي لـ"راينميتال" كبرى شركات صناعة الأسلحة الألمانية، وقد تم إحباط هذا المخطط بالتعاون مع شركاء دوليين. فماذا عن عملية الاستهداف والحرب الهجينة التي تشنها روسيا ضد ألمانيا والغرب؟
ماذا حدث؟
بينت قراءات سياسية أن سيناريو استهداف بابيرغر يعد جزءاً مما كان يمكن تصوره منذ غزو روسيا أوكرانيا، ووفقاً للسلطات الأمنية، فإن المكتب الاتحادي لحماية الدستور كان مشاركاً أساسياً في إماطة اللثام عن التهديدات ومخطط الهجوم على مدير "راينميتال"، بناءً على تقاطع معلومات مع أجهزة استخبارات غربية، والأمر المؤكد أن المعلومات الأساسية وصلت من أجهزة الاستخبارات الأميركية.
إلى ذلك، بينت القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي أف"، أن التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأميركية والألمانية أحبط هذا المخطط، وأن الأجهزة لاحظت وجود مجموعة من العملاء المشتبه بهم من دول الاتحاد السوفياتي السابق، بما في ذلك روسيا، وقد دخل بعضهم بالفعل إلى منطقة شينغن. وبناءً على ذلك، ووفق "شبيغل"، تم التعرف إلى مشتبه بهم بالقرب من المقر الرئيسي للشركة في دوسلدورف، حتى أنه تمت مراقبة وجهات سفر بابيرغر الخارجية، ويقال إنهم أشخاص استأجرتهم الاستخبارات الروسية.
وخلصت آخر المعطيات إلى أن الاستخبارات الألمانية تمكنت من التعرف إلى أنشطة أشخاص في البلاد وتحركات سفر مشبوهة، يبدو أنها كانت للتجسس على بابيرغر، وتم أخذ التهديدات على محمل الجد وأبلغت "راينميتال" الأمر، مع تعزيز مستوى الأمن الشخصي لبابيرغر كثيراً، كما عدلت خطط سفره.
وفي تعليق على محاولة اغتيال بابيرغر، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية إن "الحكومة لن تسمح بأن تخيفها التهديدات الروسية، والسلطات المعنية تأخذ التحذيرات على محمل الجد والأجهزة الأمنية يقظة للغاية، ونتصرف بالتعاون الوثيق مع شركائنا الدوليين". ووصف المكتب الرئاسي في موسكو التقرير عن محاولة اغتيال بابيرغر بأنها "أخبار كاذبة"، ولا يمكن أن تؤخذ معلومات من هذا النوع من التقارير على محمل الجد. في المقابل، قال بابيرغر إن المعلومات الواردة في تقرير شبكة "سي أن أن" لم يتم الحصول عليها من فراغ.
إضعاف أوكرانيا
وبحكم أن ألمانيا تعد من أهم الدول المستهدفة بمثل هذه العمليات نظراً إلى أهمية الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه برلين لكييف، قال المسؤول الأمني السابق في جهاز الاستخبارات الألمانية غيرهارد كونراد لـ"زد دي أف"، إن روسيا تحاول بذل كل ما في وسعها لإضعاف أوكرانيا، وبما أن كييف تستمد قوتها من الدول الأوروبية المجاورة، فالهدف منع هذا الدعم باستخدام عملائها وأجهزتها السرية.
وأمام ما تقدم، رأى الباحث السياسي كاي مورشلات في حديث إلى "النهار العربي"، أن من المؤكد أن "حالة عدم اليقين الناجمة عن كل هذه الأحداث والغموض تصب في مصلحة أجهزة الاستخبارات الروسية، وموسكو تسعى منذ سنوات للتأثير على الرأي العام من خلال نشر معلومات مضللة وأخبار كاذبة، وحالياً على خلفية الحرب ضد أوكرانيا". وأوضح أن "مخطط استهداف بابيرغر يمثل هذه النوعية الجديدة من الحرب الهجينة التي هي مزيج من أشكال مختلفة من الهجوم، والأمر لا يتعلق بهجمات عسكرية فحسب، بل بهجمات سيبرانية وحملات تضليل وتجسس، ناهيك بالكشف عن خطط لتخريب القواعد الأميركية في ألمانيا، ولا يمكن إغفال عمليات تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس) فوق بحر البلطيق".
وتفيد التقاريرالأمنية بأن الاستخبارات الروسية المشتبه بها وضعت مديري شركات أخرى لتصنيع الاسلحة في كل أنحاء أوروبا أهدافاً لها.
من هو أرمين بابيرغر
تولى أرمين بابيرغر (61 عاماً) منصب الرئيس التنفيذي لـ"راينميتال" الألمانية لصناعة الأسلحة عام 2013، وتعتبر الشركة واحدة من أكبر الموردين الأوروبيين لتكنولوجيا الدبابات وقذائف المدفعية إلى أوكرانيا ودول أخرى من حول العالم، كما وتنتج مجموعة واسعة من المعدات الدفاعية، بما في ذلك المركبات وأنظمة الأسلحة والبنادق والدبابات القتالية الغربية. واكتسب بابيرغر شهرته في الوسط السياسي والإعلامي بفعل تصريحاته المؤيدة لأوكرانيا في الحرب التي تخوضها ضد روسيا، كما ظهوره المشترك مع المستشار أولاف شولتس خلال جولاته على مصانع الإنتاج والزيارات لكييف. وقد أعلن أخيراً أن شركته التي افتتحت قبل مدة قصيرة مصنعاً لصيانة ناقلات الجند المدرعة في غرب أوكرانيا وتحضر لإنتاج قنابل يدوية من عيار 155 ملم، بصدد بناء مصنع جديد آخر في أوكرانيا لصناعة دبابات لينكس المدرعة بالتعاون مع كييف، ما سيعزز صناعة الدفاع الأوكرانية، وهذا ما دفع روسيا للإعلان أنها ستقصف المصنع أثناء تشييده، وكل ذلك بعدما باتت الأخيرة مدركة أن "راينميتال" تلعب دوراً مركزياً في الدفاع عن أوكرانيا، مع العلم أن حرب أوكرانيا شكلت نقطة تحول لـ"راينميتال" التي حققت أرقاماً قياسية في المبيعات، ففي عام 2022 كانت هناك زيادة 13% بنسبة المبيعات التي بلغت 6,4 مليارات يورو، وتفيد التقارير بأنه في عام 2023 قد تكون تخطت 7,4 مليارات يورو، و"راينميتال" باتت تعد واحدة من أكبر 40 شركة مساهة ألمانية.
تزايد الحوادث المرتبطة بروسيا
تتناسب هذه الحادثة مع سلسلة كاملة من الحوادث في ألمانيا مرتبطة بأجهزة الاستخبارات الروسية أو حيث هناك على الأقل اشتباه في وجود خلفية للخدمة الروسية السرية. ووفق التقارير تم خلال حزيران (يونيو) الماضي إلقاء القبض على 3 أشخاص في مدينة فرانكفورت أم ماين، وهم مواطن روسي وآخر أوكراني والثالث أرميني، ووجه لهم الادعاء العام الاتحادي تهمة جمع معلومات عن شخص أوكراني في ألمانيا لمصلحة جهاز استخبارات أجنبي، والترجيحات أن الجهاز روسي. إلى ذلك، وخلال نيسان (أبريل) الماضي ألقي القبض على اثنين من الألمان الروس المتهمين بالتخطيط للقيام بأعمال تخريبية، وعلى وجه التحديد، وفق شبكة "إيه أر دي"، يقال إنهم جمعوا معلومات حول أهداف هجومية محتملة، مثل المنشآت العسكرية في ألمانيا، وخططوا لهجوم على منشأة لسكك الحديد تنقل معدات عسكرية إلى أوكرانيا، وبحسب السلطات فقد كانوا على تواصل مع شخص يعتبر جهة اتصال مع الاستخبارات الروسية، وأحد المعتقلين قاتل في شرق أوكرانيا بين 2014 و2016 في صفوف جمهورية دونيتسك الشعبية الموالية لروسيا. ومن ناحية أخرى، وبأمر من المدعي العام الاتحادي، أُلقي القبض على اثنين من الألمان الروس وقيل إنهما قاما باستطلاع منطقة تدريب تابعة لحلف الناتو في منطقة غرافينفور التابعة لولاية بافاريا، حيث يتم تدريب الجنود الأوكرانيين.
إلى ذلك، ووفق السلطات الألمانية، كانت هناك 446 حالة مشبوهة لطائرات من دون طيار فوق مواقع للجيش الألماني في عام 2023.