علاقة السيدة الأولى بزوجها قد تذهب في اتجاه مضاد لتلك التي ربطت الليدي ماكبث، بطلة مسرحية شكسبير الشهيرة، بزوجها الجنرال القاتل. فبدلاً من أن تسيطر على زوجها وتزين له فعل الشر الذي يؤذيه في النهاية، قد يسعى آخرون لاتخاذها وسيلة لتوجيه ضربات مؤلمة له. هذه هي حكاية بيغونيا غوميز (49 عاماً)، سيدة إسبانيا الأولى منذ 2018، المتهمة بالفساد في قضية تثير الجدل حالياً.
فتحت المحكمة أواخر نيسان (أبريل) الماضي تحقيقاً بتورطها المزعوم بالفساد، بعدما رفعت منظمة "مانوس ليمبياس" (الأيدي النظيفة) دعوى في القضية. وتتلخص الاتهامات الموجهة لها بأنها استغلت موقعها لتقديم "خدمات" لشركات منها "غلوباليا" السياحية التي تملك خطوط "إير أوروبا" الجوية، لمساعدتها في الحصول على عقود عمل أو أموال من الحكومة، مقابل "تبرعات" تقدمها هذه الشركات.
واللافت أن "الحزب الشعبي" حاول قبل أشهر إثارة القضية نفسها، من دون جدوى. فهل قرر الحزب المحافظ إعادة الكرة عن طريق "مانوس ليمبياس"؟ وهذه منظمة متطرفة معروفة بهوسها بمطاردة الاشتراكيين واليساريين بقضايا غالباً ما تلقى الفشل. لزعيمها ميغيل بيرنارد اليميني المتطرف والرئيس السابق لمنظمة "الجبهة الوطنية" المتشددة، سجل مشوب بالمخالفات.
القسط الأكبر من التركيز والتهجم يبقى من نصيب بيدرو سانشيز نفسه، وكأنه هو المذنب الحقيقي. وقد علق على الأمر مؤكداً أنه "لا شيء وراء هذا الاتهام. إنه مجرد تهمة ملفقة تروّجها جماعات يمينية متطرفة". أما السيدة الأولى فتلتزم الصمت. وتحولت المسألة إلى ما يشبه المحاكمة لإدارته وأدائه، مع أنه ليس متهماً بشيء.
هكذا يعمد المحافظون والمتطرفون الإسبان الذين يستميتون للتخلص من زعيم اشتراكي عنيد، إلى استغلال اتهامات لم تثبت صحتها بعد، كسلاح للتصويب على الائتلاف اليساري الحاكم ورئيسه. وقد يكفي التوقيت وحده لإظهار حقيقة هذه الهجمة. فهي أثيرت قبل أسابيع من الانتخابات الأوروبية مع أن المخالفات المزعومة حصلت قبل 2022.
والقضية انطوت على جانب مظلم يتصل بالتوقيت، لمّح إليه سانشيز حين انتقد قزاز المحكمة الإعلان عن فتح التحقيق في ذروة حملة الانتخابات الأوروبية. فالقاضي المسؤول عنه هو خوان كارلوس بينادو، "صديق" خصوم سانشيز، كما ذكرت صحيفة "بوبليكو". وأفادت قبل يومين بأن ابنته باتريشيا مسؤولة في "الحزب الشعبي"، وأنه هو شخصياً مقرب من قياديي حزب "فوكس" المتطرف، سلمهم وثائق تتعلق بالاتهامات الموجهة لغوميز!
والمقلق أن الاستثمار السياسي في القضية كأداة للانتقام من خصم أيديولوجي، بات شائعاً في أوساط اليمين ورموزه المترفة، بمن فيهم الزعيم الأرجنتيني خافيير ميلي، الملقب بـ"المجنون". ويبدو أن هذا كان ينتظر ذريعة لاستهداف سانشيز. لذا عجّل بدسّ أنفه في الأمر والحكم على المتهمة بـ"الفساد".
المحكمة التي مثُلت أمامها السيدة الأولى أرجأت النظر في الدعوى إلى وقت لاحق في تموز (يوليو) الجاري. والاحتمالات كلها مفتوحة ما دام القضاء نفسه قد يكون متواطئاً. فمن هي السيدة الأولى التي تستخدم مطية للنيل من زوجها، وكيف هي علاقتهما مقارنة بنموذج "الليدي ماكبث"، بأنماطه المختلفة؟
غوميز متخصصة في التسويق، وقد عملت في عدد من الشركات والمؤسسات الأكاديمية الشهيرة ورسخت أقدامها في الـ25 سنة الماضية في القطاع الخاص، حتى صارت أستاذة وخبيرة بارزة. وعلى الأغلب، لم تكن يوماً في حاجة للحكومة، ولعلها كانت ولا تزال تتقاضى أكثر من زوجها بكثير.
يقول صديق أكاديمي إسباني يتحفظ عن أداء سانشيز وحكومته، إن "أحداً لم يسمع بالسيدة غوميز قبل هذه القضية". واستبعد تدخلها في عمله، كما رجح إسقاط المحكمة العليا التهم لاحقاً. وأشار إلى أن المنظمة المتطرفة ذاتها استهدفت غوميز وشقيق زوجها من قبل لكي تسيء إلى سانشيز.
ليس هناك صراع قوة بين الزوجين. فهما متفاهمان يتشاركان في اتخاذ القرارات بما خصّ شؤونهما المنزلية الخاصة ورعاية ابنتيهما. أما خارج المنزل، فهما ينتميان إلى الحزب الاشتراكي الذي ناضلا فيه منذ شبابهما الأول، وتزوجا في رحابه في 2006. وتطابق وجهات النظر السياسية لا يعني تدخل أي منهما في عمل الآخر. لكن هيهات أن يقتنع المتطرفون الساعون إلى إطاحة سانشيز بذلك!