أمام إعلان القيادة الإيرانية و"حزب الله" اللبناني أن الرد آت على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران والقائد العسكري الرفيع لـ"حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، واختلاف الآراء حول الشكل الذي ستكون عليه الضربة الانتقامية، يبدو أن الصراع بين تل أبيب وطهران على وشك التصعيد مرة أخرى. حتى أن الأمر تظهّر بمطالبات ألمانية تدعو إلى مساندة إسرائيل من شركائها الغربيين، فما إمكانات المساندة من برلين؟
أمام بحث طهران هذه المرة عن طريقة لفرض تكلفة فعلية وحقيقية على إسرائيل لإجبارها على التوقف عن مهاجهة أراضيها، كما استهداف قيادات في محور المقاومة، تعمل الولايات المتحدة على رفع جاهزيتها العسكرية في شرق البحر المتوسط رفعاً كبيراً، عبر إرسال السفن الحربية والطرادات والطائرات المقاتلة وغيرها. وأمام ذلك، برزت قراءات وفيها أنه بات على برلين تقديم المساعدة العسكرية أيضاً لإسرائيل وتفعيل الجيش الألماني إذا لزم الأمر. وفي هذا الإطار، اعتبر مفوض الحكومة لمكافحة السامية فيليكيس كلاين في وقت سابق من هذا الأسبوع، أنه "إذا ما كان هناك هجوم من قبل إيران على إسرائيل وتقدمت حكومتها بطلب من ألمانيا للحصول على دعم عسكري، لا ينبغي لنا أن نغض الطرف عن ذلك" وليضيف: "بما أن الهجوم في هذه الحالة سيأتي من جهة حكومية، ليس من أذرع المقاومة التابعة لها، فإن التدخل العسكري من الجيش الألماني سيكون مبرراً بوضوح بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنظم حق الدول في الدفاع عن النفس".
وثمة من رأى أنه لا ينبغي على برلين أن تنتظر حتى تطلب منها إسرائيل المساعدة، بل يجب أن تقوم هي بالمبادرة. وبحسب الخبراء، من الممكن أن تكون المساندة بإعادة تزويد الطائرات المقاتلة من الدول الصديقة بالوقود، كما على سبيل المثال باستخدام طائرات يوروفايتر التابعة للجيش الألماني للدفاع ضد الطائرات من دون طيار الإيرانية. وهناك تقديرات بأن تقدم إيران على شن هجوم مشترك بطائرات من دون طيار وصواريخ بالستية متوسطة المدى وصواريخ كروز السريعة والدقيقة من الأراضي الإيرانية على منشآت بالقرب من تل أبيب وحيفا، وبعدم تكرار الهجوم نفسه الذي اعتمدته طهران في نيسان (أبريل) الماضي.
المسؤولية التاريخيّة
وفي سياق ما تقدم، برزت تعليقات وفيها أن على ألمانيا مسؤولية تاريخية لأن أمن إسرائيل جزء من عقل الدولة الألمانية، وتنظر إلى أمن تل أبيب كجزء من سبب وجودها، وهو ما أكده مرات عدة المستشار أولاف شولتس، علماً أنه من الناحية القانونية لا التزام يفرض على برلين تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل في حالة الحرب، والأخيرة ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي الناتو، ولا اتفاقية مساعدة ثنائية.
في المقابل، برزت أصوات مخالفة مبدئياً لهذه الاندفاعة وتفضل ترقب ما ستؤول إليه الأوضاع الأمنية المشحونة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، إذ استبعد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أخيراً تورط ألمانيا حالياً ومشاركة الجنود الألمان في مهمة لحماية إسرائيل، وأشار على هامش زيارة له أخيراً للمنطقة الحدودية بين كوريا الشمالية والجنوبية، إلا أن ذلك لا يمكن تصوره على الإطلاق في الوقت الحالي. وشدد على أن الوضع في الشرق الأوسط يتم تقييمه يومياً بالتعاون مع وزارة الخارجية والمستشارية في برلين، وألمانيا تستعد لما قد تصل إليه تداعيات تطورات الأزمة في المنطقة، بينها الإجلاء و"نحن في مرحلة الإعداد لذلك".
وفي هذا الإطار، أجرى الجيش الألماني الاستعدادات لعملية إجلاء واسعة النطاق للمواطنين الألمان في الشرق الأوسط. وبحسب "شبيغل"، ومن ضمن الخطة المعدة للإجلاء من لبنان، فإن سلاح الجو جهز طائرات نقل من نوع "آي 400 أم"، وكل ذلك استناداً إلى معلومات استخبارية تفيد بنية إيران تنفيذ ضربة انتقامية ضد إسرائيل التي قد تترافق مع هجمات واسعة النطاق يشنها "حزب الله" يقابلها رد إسرائيلي على لبنان.
وفي سياق متصل، اعتبر الناشط السياسي أوفه لودفيغ في حديث إلى "النهار العربي"، أن البوندسفير يركز أولاً في مهمة إنقاذ المواطنين الألمان من بيروت على أسطول القوات الجوية، وبحسب التقارير فإن الأطقم المعنية جاهزة للخدمة على مدى أيام وستكون قبرص الوجهة الأساسية لهم. وتشير التقديرات إلى أنه تم حتى الآن تسجيل أكثر من 2100 شخص يحملون الجنسية الألمانية في قائمة الاستعداد للأزمات "الفاند" التابعة لوزارة الخارجية، والذين يمكن إبلاغهم وإجلاؤهم إذا لزم الأمر وفي حال حدوث أزمة.
وفي ظل هذه الأجواء، تفترض الخارجية أن هناك العديد من الألمان الموجودين هناك لم يسجلوا أنفسهم بعد، ولديها الخشية من أنه في حال الطوارئ يمكن إغلاق مطار رفيق الحريري الدولي المرفق الجوي المدني الأوحد في لبنان، ما قد يعقد عملية الإجلاء ويجعلها أكثر صعوبة. وعن البديل أفاد لودفيغ بأنه قد يكون طريق البحر، وذلك باستخدام فرقاطات بينها "هامبورغ" الموجودة حالياً في جنوب اليونان، مبيناً أن الإجلاء عبر سوريا كما حصل في حرب تموز (يوليو) 2006 لم يعد ممكناً بفعل المقاطعة والعقوبات المفروضة على النظام في دمشق. وكل ذلك بعدما كانت السلطات الألمانية قد نصحت جميع مواطنيها بمغادرة لبنان على متن رحلات جوية مدنية، إلا أنه لم يستجب لهذا التحذير إلا أعداد قليلة جداً منهم.
من جهة ثانية، بينت شبكة "إيه أر دي" الإخبارية الأربعاء، أن المطاعم اليهودية والإسرائيلية في برلين تعيش تحت الضغط بسبب تعليقات الكراهية ومعاداة السامية وتراجع المبيعات والذعر، حتى أن بعضها أقفل أبوابه نهائياً بسبب حرب غزة وانطلاق المسيرات الحاشدة للجاليات العربية والمسلمة التي تنظم أسبوعياً ضد حرب الإبادة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة. وقد شهدت ألمانيا هذا العام تراجعاً في أعداد السياح الإسرائيليين مع تسلل الخوف إلى نفوسهم، كما إلغاء العديد من شركات الطيران رحلاتها من تل أبيب وإليها.