أكّد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أنّ سلطات بلاده يجب أن "تبقى في حال تأهّب قصوى" في الساعات والأيّام المقبلة، بينما أصدرت محكمة أوّل حكم بالسجن بسبب التحريض عبر الإنترنت خلال الاضطرابات الأخيرة.
جاء تعليق ستارمر بعد ليالٍ عدّة من الهدوء النسبي في كلّ أنحاء إنكلترا، إثر أسبوع من اضطرابات شبه يوميّة في أكثر من اثنتي عشرة منطقة، عقب هجوم بسكّين أسفر عن مقتل ثلاث فتيات.
ومع ذلك، استمرّت الاضطرابات بلا هوادة في ايرلندا الشماليّة، حيث ألقت الشرطة باللوم على ميليشيات شبه عسكريّة موالية لبريطانيا في تأجيج العنف الليلي في بلفاست.
وشكر الملك تشارلز الثالث الجمعة للشرطة تحرّكها في مواجهة أعمال الشغب الأخيرة لليمين المتطرّف في المملكة المتحدة، ناسبا هذا العنف إلى "جنوح عدد محدود"، وداعيا إلى "الاحترام والتفهّم المتبادلين".
وخلال اتّصالات هاتفيّة مع ستارمر ومسؤولي الشرطة، "أكّد الملك أنّه تشجَّع كثيرا بالأمثلة الكثيرة عن روح التضامن في مواجهة الاعتداءات وجنوح عددٍ محدود، مع تعاطف ومقاومة أكبر عدد" من الناس، وفق ما قال متحدّث باسم قصر باكينغهام، وذلك بعد انتقادات أثارها صمت العاهل البريطاني عمّا تشهده البلاد منذ عشرة أيّام.
وقال المتحدث إنّ تشارلز الثالث الذي يقضي حاليا عطلة في اسكتلندا، أرسل "خالص شكره للشرطة وخدمات الطوارئ على كلّ ما يفعلونه لاستعادة السلام في المناطق التي تأثّرت بالفوضى والعنف" العنصري والمناهض للإسلام.
وأوضح أنّ "الملك أمل في أن تستمرّ القيم المشتركة للاحترام المتبادل والتفاهم في تعزيز الأمّة وتوحيدها".
وكان العاهل وزوجته كاميلا قد سارعا إلى نشر رسالة تعزية لأسر ضحايا الهجوم بالسكّين الذي أودى بحياة ثلاث فتيات تراوح أعمارهن بين ستة وتسعة أعوام في مدرسة للرقص في 29 تموز/يوليو في ساوثبورت في شمال غرب إنكلترا.
مُذّاك، لم يتحدّث أيّ فرد من العائلة المالكة علنا عن أعمال العنف، وسط شائعات انتشرت عبر الإنترنت حول المشتبه به في جرائم القتل.
ورغم أنّه يُفترض بالعاهل البريطاني أن يبتعد عن القضايا السياسيّة، إلا أنّ صمته كان بدأ يُثير انتقادات.
وقال ستارمر، خلال زيارة لمقرّ شرطة العاصمة لندن، إنّ "العدالة السريعة" التي أرستها الشرطة والمحاكم على مُثيري الشغب في الأيّام الأخيرة كانت بمثابة رادع لمزيد من الفوضى في إنكلترا.
وأوضح "أنا مقتنع تماما بأنّ وجود ضبّاط الشرطة في أماكنهم خلال الأيام القليلة الماضية، والعدالة السريعة التي صدرت عن محاكمنا، كان لهما تأثير حقيقي".
وأضاف محذرا "لكن يتعيّن علينا البقاء في حال تأهّب قصوى قبل نهاية هذا الأسبوع لأنّنا يجب أن نتأكّد تماما من أنّ مجتمعاتنا آمنة".
تذكير
بعدها بساعات، أصدرت محكمة بريطانيّة في ليدز شمالا، حكما بالسجن عشرين شهرا على الشاب جوردان بارلور بتهمة الحضّ على الكراهية العنصريّة عبر رسائل على موقع فيسبوك دعا فيها إلى مهاجمة فندق يضمّ طالبي لجوء.
وأغلق مدير الفندق المبنى السبت بسبب الاضطرابات في المدينة.
وقال ستارمر قبل النطق بالحكم - وبعد إدانة الرجل - "هذا تذكير للجميع بأنّه سواء كنت متورّطا بشكل مباشر أو عن بُعد، فأنت مذنب".
وأكّد أنّ المسؤولين التنفيذيّين لتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك المستخدمين يجب أن يكونوا "متنبّهين لأولى الأولويّات، وهي ضمان سلامة مجتمعاتنا وأمنها"، ملمّحا إلى فرض تدابير أكثر صرامة في المستقبل.
وبحسب ستارمر "سيتعيّن علينا النظر على نطاق أوسع في وسائل التواصل الاجتماعي بعد هذا الاضطراب، لكنّ التركيز حاليا يجب أن ينصبّ على التعامل مع الاضطراب".
وعقد ستارمر اجتماع أزمة آخَر مع كبار الوزراء ورؤساء الشرطة في وقت متأخّر الخميس.
وفي أحدث تصريحاته، أشار إلى أنّ الاضطرابات المحتملة المرتبطة ببدء موسم كرة القدم "ستُضاف إلى مزيج" من التحدّيات التي تُواجه السلطات هذا الأسبوع.
ويُعتقد أنّ بعض مثيري الشغب والمحرّضين من اليمين المتطرّف لديهم صلات بمشهد مشجعي كرة القدم المشاغبين في إنكلترا والذي يعود تاريخه إلى عقود، علما أنه تراجع منذ ذروته في ثمانينات القرن العشرين لكنّه لا يزال قادرا على إنتاج العنف في موسم المباريات.
شائعات
وأمس الجمعة أعلنت الشرطة أنّ القوّات في كلّ أنحاء البلاد اعتقلت نحو 600 شخص بتهمة المشاركة في الاضطرابات التي بدأت في 30 تموز/يوليو، وتمّ توجيه حوالى 150 تهمة.
وبدأت المواجهات بعد تداول معلومات كاذبة عن المُشتبه به المفترض في هجوم بسكّين استهدف حصّة للرقص في ساوثبورت في شمال غرب إنكلترا في 29 تمّوز/يوليو. وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاث فتيات تراوح أعمارهنّ بين ستّ وتسع سنوات.
وانتشرت شائعات في البداية على وسائل التواصل الاجتماعي أفادت بأنّ المهاجم طالب لجوء مسلم. لكن عُرِّف عن المشتبه به لاحقاً على أنّه أكسيل روداكوبانا المولود في ويلز. وذكر الإعلام البريطاني أنّ والديه من رواندا.
وألقى المسؤولون باللوم على المعلومات المضلّلة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي حول الجاني المُشتبه به في تأجيج الاضطراب.
كما بدأت المحاكم بمُلاحقة المشاركين المُدانين في الاضطرابات وإصدار أحكام بحقّهم، ويواجه البعض أحكاما بالسجن لسنوات.
في إيرلندا الشماليّة، أعلن عدد من الشركات والمكتبات في بلفاست العزم على الإغلاق في وقت باكر الجمعة، بعد مزيد من الاضطرابات خلال الليل وإمكان تنظيم احتجاجات جديدة.
وستُنفَّذ "عمليّة مرئيّة كبيرة للشرطة" استعدادا للاحتجاجات المناهضة للهجرة والاحتجاجات المضادّة المخطّط لها في وسط مدينة بلفاست.
وقالت الشرطة هناك، إنّ 23 شخصا قُبض عليهم حتّى الآن عقب الاضطرابات، مع توجيه الاتّهام إلى 15 منهم.
وبحسب تقارير، مُنِح الضبّاط صلاحيّات إضافيّة لتوقيف مَن يُشتبه في أنّهم مثيرو شغب وتفتيشهم والطلب منهم كشف وجوههم، في موازاة إرسال تعزيزات من المملكة المتحدة.