بحسب مسؤول سابق في إدارة ترامب، لا يمكن للعلاقة أن تكون أوضح. يعتقد إيه ويس ميتشل، مساعد أسبق لوزير الخارجية مايك بومبيو لشؤون أوروبا وأوراسيا، أن غزو أوكرانيا لكورسك قد يمنح الولايات المتحدة الوقت لتوجيه تركيزها إلى المحيط الهادئ بشكل متسلسل.
كتب ميتشل في مجلة "فورين بوليسي" أن رد روسيا على التوغل يقترح لغاية اليوم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يحتوي الهجوم الأوكراني، لكن من غير المرجح أن يتخلص من رأس الجسر الذي بنته كييف في المنطقة. يعتبر ميتشل أن احتفاظ كييف بأراض روسية يمثل نفوذاً أكبر من أي رافعات أخرى، بما فيها العقوبات، للتفاوض حول نهاية للحرب تراعي مصلحة الأوكرانيين بشكل أفضل.
يسمح هذا النفوذ بإلحاق هزيمة بروسيا في جدول زمني أسرع من ذاك الذي يمكّن الصين من التحرك ضد تايوان. بعبارة أخرى، تحتاج واشنطن إلى الانتهاء من مسرح الصراع في أوروبا الشرقية، قبل أن تنقل تركيزها إلى آسيا، بل حتى قبل توجيه ضربة محتملة ضد إيران.
ولتحقيق ذلك، هي بحاجة إلى ثلاثة أمور بحسب الكاتب: تسريع المساعدات العسكرية بدلاً من تقطيرها، تحديد استراتيجية واقعية بعيدة من تغيير النظام في روسيا كما قال الرئيس جو بايدن، والاستفادة من الوقت لتعزيز قاعدتها التصنيعية على طريق الانتقال نحو آسيا.
أمران واضحان
قد يتشكل رابط تلقائي بين تحليل ميتشل واستنتاج سياسة ترامب المستقبلية تجاه أوكرانيا في حال فوزه بالرئاسة. يبدو أن سردية "تخلي" ترامب عن أوكرانيا باتت تواجه في الآونة الأخيرة بعض التصريحات المضادة. قبولُه اتصالَ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتهنئته بالسلامة بعد محاولة الاغتيال ثم إشادة الطرفين بإيجابية المكالمة الهاتفية أمر معبّر. مع ذلك، ثمة حاجة للتمهل.
إذا كان لا بد من النظر إلى المرشحين ذوي الحظوظ المرتفعة لتولي منصب قيادي في الإدارة الجمهورية المقبلة، فسيكون إلبريدج كولبي، المسؤول السابق في إدارة ترامب، أبرزَهم. من المرجح أن يخدم كولبي في صناعة القرار الأساسي حيال الصين، كما فعل خلال الإدارة الأولى. باختصار، ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا سنة 2022، كان كولبي مشككاً إلى حد كبير في جدوى دعم أوكرانيا، بالتحديد لأنه يجفف الترسانة الأميركية من مواردها للدفاع عن تايوان. لكن الواقع يصبح أكثر إثارة للاهتمام عند معرفة نقطتين إضافيتين.
(أ ب)
يتفق ميتشل وكولبي على أن واشنطن متأخرة كثيراً في الإنتاج الدفاعي لتكسب حربين معاً، غير أن الأول يعتقد بوجود قدرة لدى أميركا على استغلال الوقت الذي يمكن أن توفره أوكرانيا، من أجل تعزيز قاعدتها الصناعية. كولبي غير متفائل على الإطلاق. النقطة الثانية هي أن كلا المحللين شارك في تأسيس مؤسسة الرأي نفسها، "مبادرة ماراثون".
سيكون من الجدير بالمتابعة معرفة كيف يمكنهما تجسير الهوة الفكرية بينهما في هذا الجانب، خصوصاً إذا وصل كولبريدج إلى مركز صناعة القرار. في جميع الأحوال، ثمة أمران واضحان. الأول أنه يصعب معرفة سلوك إدارة ثانية محتملة لترامب مع أوكرانيا، والثاني أن الولايات المتحدة، بصرف النظر عن رئيسها، تفتقر إلى استراتيجية للتعامل مع الحرب حتى قبل غزو كورسك.
تغييرٌ في السردية
لم تمثّل عبارة بايدن الشهيرة، "سندعم أوكرانيا طالما لزم الأمر"، رؤية مستدامة، بالتحديد لأنها مبهمة، ولأنها حرمت واشنطن من أسلحة مخصصة بشكل محتمل لشرق آسيا (مع الأخذ بالاعتبار أيضاً فارق المتطلبات بين حرب بحرية إلى حد بعيد وحرب برية). الآن، وبعد غزو كورسك، ستفرض التطورات على إدارة بايدن صياغة رؤية جديدة للحرب إذا تمكنت أوكرانيا من السيطرة على جزء من المقاطعة الروسية لفترة طويلة.
فأحد أسباب فشل أوكرانيا في هجومها المضاد بحسب محللين غربيين هو إخفاقها في تنفيذ "هجوم أسلحة مشتركة" ضد روسيا. أعاد النجاح السريع في كورسك تغيير السردية إلى حد ما، وهو ما لاحظه محللون مؤخراً مثل الأستاذ الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية التابع للكلية الحربية الأميركية جون ديني. كتب ديني تحليله أيضاً في "فورين بوليسي".
(أ ب)
إذا كانت أوكرانيا ستنجح فعلاً في "هجوم الأسلحة المشتركة" فهذا يعني أن أي هجوم مستقبلي مضاد ليس محكوماً بالفشل. ما يتعين فعله، بحسب التطورات الراهنة على الأقل، هو اختيار "الخاصرة الرخوة" المناسبة لدى القوات الروسية من أجل مهاجمتها؛ وليس بالضرورة أن تكون تلك الخاصرة في أوكرانيا نفسها. بينما لا يزال من المبكر إطلاق استنتاجات بشأن مسار الغزو في كورسك، ثمة احتمال كبير في أن تكون إدارة بايدن مفتقرة إلى المبادرة المناسبة للتعامل مع المستجدات.
وهذا ما كتبه هولمان جنكينز جونيور في "وول ستريت جورنال" الجمعة مستشهداً بتحليل مماثل للمفكر التقدمي آدم توز الذي قال إن المشكلة الحقيقية هي في "الوضع غير المؤكد إلى حد كبير" الذي ولّده فشل الغرب في وضع سياسة أوكرانية توائم بين الأهداف والوسائل.
ارتياح
ربما يمثّل غزو كورسك صدمة لواشنطن تدفعها إلى التفكير بمقاربة جديدة للملف الأوكراني على الرغم من أن احتمالات ذلك ضئيلة لثلاثة أسباب: ضبابية الوضع الميداني أولاً واقتراب الانتخابات الرئاسية وطبيعة إدارة بايدن المترددة ثالثاً (يلوم البعض بالتحديد مستشار بايدن للأمن القومي جيك سوليفان على عدم تسليح أوكرانيا بالسرعة والزخم اللازمين).
يعتقد كولبي أن الصين مرتاحة عموماً للوضع في أوكرانيا، حتى أنها لا تدعم روسيا بما يمكن أن يكسر التوازن، لأنها تريد استنزاف الأميركيين في شرق أوروبا لإلهائهم عن المسرح الآسيوي. يرى مراقبون أن الصين "تحب (تمتع خصومها بسلوك) قابل للتنبؤ به". إذا كان هذا التحليل صحيحاً فقد يصبح أصحّ مع سلوك إدارة بايدن في حرب أوكرانيا.