تُشغل الحرب الأوكرانية الناخبين الألمان في 3 ولايات تخوض في الأسابيع القليلة المقبلة انتخابات برلمانية ولائية، بفعل طول أمد الحرب هناك ودعم برلين لكييف، وتنامي عدد اللاجئين الأوكرانيين في البلاد، ما يكبّد الخزينة العامة خسائر فادحة، الأمر الذي يستغله حزب "البديل من أجل المانيا" اليميني الشعبوي لاستقطاب الناخبين.
فهل بات اليمين المتطرّف واليسار الشعبوي، المقرّبان من موسكو، قاب قوسين أو أدنى من تسلّم الحكم في ولايات شرق ألمانيا، مع تقدّمهما في استطلاعات الرأي؟
محاباة روسيا
تطغى المخاوف من تداعيات حرب أوكرانيا على خطابات المرشحين المتنافسين في المهرجانات الإنتحابية في ولايات ساكسونيا وبراندبورغ وتورينغن الواقعة شرق ألمانيا. وتُساق الاتهامات بحق الأحزاب التقليدية التي تدعم كييف بالمال والسلاح، مقابل دعوات لانتهاج السياسة الديبلوماسية، ولضرورة السعي إلى إحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا بالتفاوض، لما للحرب من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية على ألمانيا.
وكان استطلاع أجراه معهد "فورسا" أخيراً، قد أفاد بأن 34% ممن شملهم الاستطلاع في هذه الولايات يعتقدون أن ألمانيا تبذل الكثير لدعم أوكرانيا، وأيّد 32% فقط منهم تسليم كييف أسلحة ثقيلة ودبابات.
في المقابل، تصوّب الأحزاب الحاكمة على المخاطر التي يشكّلها التصويت لـ "البديل من أجل المانيا" اليميني المتطرّف، الذي عمد في تورينغن إلى توزيع ملصقات تحمل العلمين الألماني والروسي، أو لتحالف سارة فاغنكنشت اليساري الشعبوي المنشق أساساً عن حزب اليسار، الذي نشر ملصقاً يصور حمامة سلام تحتها شعار "أوقفوا القتل"، ورفع في ولاية سكسونيا شعار "إعادة السلام إلى الوطن".
وفي تصريحات أدلت بها فاغنكنشت لـ "وكالة الأنباء الألمانية"، لم تتردّد في المجاهرة بالقول إن تحالفها سيسعى بعد الانتخابات إلى إحياء مصفاة التكرير في شفيدت، "التي تلعب دوراً رئيسياً في تغذية شرق ألمانيا بالنفط والمشتقات الأخرى، بإمدادات من روسيا، بدلاً من الاضطرار إلى استجداء النفط بأسعار باهظة، ومن دون أن تكفي الكميات المستوردة لتشغيل المحطة بكامل طاقتها"، واصفة التعنت الحكومي في مسألة حظر استيراد المشتقات النفطية من روسيا بأنه "سياسة غبية تأتي على حساب البلد بأكمله وترهق جيوب الألمان".
ليسوا حمقى!
ومع دعوة فاغنكنشت الناخبين للتصويت على الحرب والسلام، قائلةً إن كلّ من يدعم أوكرانيا يؤيّد الحرب، ومع تشكيك الولايات الشرقية الكبير في خطة نصب صواريخ "توماهوك" الأميركية متوسطة المدى على الأراضي الألمانية اعتباراً من عام 2026، والتي يصل مداها إلى 2500 كيلومتر، فتصيب موسكو وسانت بطرسبرغ، دعا مرشح الحزب المسيحي الديموقراطي في ولاية تورينغن ماريو فويغت الأطراف كلها إلى التوقف عن التلاعب بالناس "وكأنهم حمقى"، مؤكّداً أن برلمان الولاية ليس مسؤولاً عن السياسة العالمية، غامزاً من قناة حزب "البديل" وتحالف فاغنكنشت.
لقي موقف فويغت تأييداً من زميله في الحزب رئيس وزراء ولاية سكسونيا ميشائيل كرتشمر، الذي قال في تجمّع انتخابي "إن نشر الصواريخ الأميركية يردع روسيا التي تهدّد أمن أوروبا، ولا مانع من إجراء استفتاء على هذه المسألة قبل اتخاذ القرار النهائي فيها".
مستوى أعلى
لم تستسغ سابين تسيمرمان، مرشحة تحالف فاغنكنشت، هذه التصريحات، وعارضت موقف كرتشمر الذي وصفته بأنه انتقل إلى "مستوى تصعيد" أعلى. وقالت إن السلام ممكن "مع روسيا وحدها".
وكانت "برلينر تسايتونغ" قد اشارت إلى أن استطلاع "فورسا" في شرق البلاد يُظهر أن 74% ممن شملهم الاستطلاع يعارضون نشر الصواريخ الأميركية في الأراضي الألمانية، في مقابل تأييد 23%، فيما لقي نشر الصواريخ ترحيب 49% من المستطلعة آراؤهم في غرب البلاد.
ويُشار هنا إلى أن الحكومة الاتحادية التي تضمّ الأحزاب "الاشتراكي" و "الخضر" و "الليبرالي الحر" أعادت العمل بخطط التسلّح، ورصدت 100 مليار يورو لـ"البوندسفير". والتزمت برلين نسبة 2% المطلوبة من حلف "الناتو" للإنفاق الدفاعي، كما تمّ أخيراً الاتفاق على صفقة مع الولايات المتحدة لشراء 600 صاروخ أرض – جو من طراز "باتريوت".
الحرب تُقهر الائتلاف
نشرت شبكة التحرير الألمانية أخيراً استطلاعاً لمعهد "إنسا" يبرز أن "الحزب المسيحي الديموقراطي" الذي يقود ولاية سكسونيا منذ ثلاثة عقود، وقبل أسبوعين تقريباً من موعد الانتخابات المقرّرة في الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل، يتخلّف عن حزب "البديل" اليميني الشعبوي بفارق 3 نقاط، ويحلّ هذا الأخير أولاً بنسبة 32%، فيما يحلّ تحالف سارة فاغنكنشت المصنّف يسارياً شعبوياً في المرتبة الثالثة بنسبة 15%.
في المقلب الآخر، تتواضع أرقام أكبر حزبين شريكين في الحكومة الاتحادية، وهما "الاشتراكي" و "الخضر" عند نسبة 5% فقط من أصوات الناخبين.
أمام هذه التقديرات، ربما يقطع تصويت أغلبية الناخبين للحزب "المسيحي الديموقراطي" الطريق على تصدّر اليمين المتطرّف، ويتمّ بالتالي إقصاء الحزب "الاشتراكي" وحزب "الخضر" عن برلمان الولاية، لا سيما أن القانون يفرض تخطّي الأحزاب المشاركة نسبة 5% من أصوات الناخبين ليستحق المرشح الناجح مقعده النيابي.
مترددون
وبحسب التقارير، ما زال ثلث الناخبين في الولاية المذكورة متردّدين، والجميع يكافح من أجل كل صوت هناك لانتزاع الثقة وإقناع أكبر عدد ممكن من الناخبين ببرامجهم السياسية، وبرؤيتهم إلى العدالة الاجتماعية.
يقول الناشط السياسي سفين كروغر لـ"النهار العربي": "يبدو لافتاً أن تطغى الانتخابات الولائية المقرّرة في هذا العام في 3 ولايات، على ملفات السياسة الخارجية في اهتمامات الأحزاب، والتي تركّز في حملاتها الإنتخابية عادة على قضايا التعليم والصحة إلى نظام التقاعد والبيئة وغيرها، ويترك للانتخابات البرلمانيّة العامة والحكومة الاتحاديّة إثارة النقاش بشأن الحرب والسلم، والعلاقات الديبلوماسية والخارجية".
ويضيف: "واضحٌ أن حزب ’البديل‘ المتطرّف، واليسار الشعبوي الذي يحابي موسكو، يستغلان الأوضاع الصعبة وارتفاع الأعباء المالية على المواطنين، ويصوّبان على أحزاب الحكومة الاتحادية وصرفها الأموال بالمليارات لمدّ أوكرانيا بالمال والأسلحة في حربها ضدّ روسيا، وما يتطلّبه الصراع العسكري مع روسيا من إعادة تسليح للجيش الألماني في آن، على حساب تعزيز حياة الفرد".