تعتزم ألمانيا، التي تُعدّ أحد أهم حلفاء أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا، خفض المساعدات المقدّمة لكييف النصف تقريباً، إلى 4 مليارات يورو في موازنة عام 2025، المقدّرة بنحو 480 مليار يورو. وتقول التقارير إن برلين أوقفت العمل بأي طلبات جديدة، لكن التقديمات العسكرية التي نالت الموافقة تبقى سارية وفق المخطط المرسوم لها.
فما الذي أملى على الحكومة الألمانية اتخاذ هذا القرار؟
لم تتعافَ بعد
يبدو واضحاً أن القرار يعود إلى أن وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر يعارض الإنفاق الإضافي، ولا يريد المستشار أولاف شولتس اي صدام معه، خصوصاً أن الوزير يصرّ على الانضباط المالي وفقاً لبنود الميزانية، ويرفض زيادة الأعباء المالية التي لا مبرّر لها، فيما البلاد لم تتعافَ بعد من تداعيات الجائحة وارتفاع نسبة التضخم.
إلى ذلك، تؤيّد كتلة المستشار، أي الحزب الاشتراكي الديموقراطي، في البوندستاغ ترشيد الإنفاق، فقد أعلن زعيم الكتلة رولف موتزينيتش مراراً عن وقوفه ضدّ إرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، وعن دعوته إلى التفاوض مع روسيا لإنهاء الحرب. ويبدو أن شولتس غير قادر على إقناع حزبه بالقبول بمستوى الدعم نفسه لأوكرانيا، فيما يتحضّر الحزب التقليدي لخوض انتخابات برلمانية محلية في 3 ولايات شرق البلاد، يتقدّم فيها اليمين المتطرّف في استطلاعات الرأي.
ويقول مراقبون إن تحديد الكتلة المالية للإنفاق على شحنات إسلحة لأوكرانيا في العام المقبل سيسبّب مشكلة لكييف التي ستتلقّى دعماً أقل من برلين في المستقبل، علماً أن هذا الدعم ليس مرناً. فبعد رصد 8 مليارات دولار للعام الجاري، تقليص المبلغ يعني العجز عن تمويل تسليم أوكرانيا نظام "إيريس - تي" للدفاع الجوي. وهذا ما بينته مصادر في لجنة الميزانية في البوندستاغ.
حاجة ماسّة
يثير هذا الأمر الجدل، إذ يعتبر مراقبون أن أوكرانيا ستكون بحاجة ماسّة إلى صواريخ موجّهة للدفاع الجوي إن احتدمت المعارك. ومن زاوية أخرى، قد تبقى الأمور على هذا المنوال لما بعد عام 2025، لأن ألمانيا على موعد مع انتخابات برلمانية عامة، وبعدها قد يكون للبوندستاغ المنتخب رأي آخر في هذه المسألة.
أمام هذه التقديرات، قالت القناة الثانية في التلفزيون الألماني"زد دي أف"، إن سقف المساعدات لأوكرانيا تحدّد بملبغ 4 مليارات دولار في ميزانية عام 2025، إذ ستأتي مساعدات أخرى من دول شريكة في دعم كييف. فمقرّر حصول أوكرانيا على قرض بقيمة 50 مليار دولار من عائدات أرصدة البنك المركزي الروسي المجمّدة، وهذا على وجه التحديد ما قرّرته دول "مجموعة السبع" في قمّتها الأخيرة في حزيران (يونيو) الماضي في إيطاليا. وتفترض الحكومة الفدرالية في برلين أن تنجح دول "مجموعة السبع" في خطوتها هذه، والتي تمكّن أوكرانيا من شراء ما تحتاج اليه من سلاح للدفاع عن نفسها، ومن تعزيز التنمية الإنسانية وإعادة اعمار البنية التحتية التي دمّرتها روسيا.
رفض جازم
في هذا الإطار، قال ليندنر، إن الأموال الروسية ستعوّض نقص المساعدات من الولايات المتحدة. أما رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ الإشتراكي ميشائيل روث فقال إن الاستفادة من أرباح الأموال المجمّدة "خطوة في الطريق الصحيح، ولا تكلّف الميزانية الفدرالية يورو واحداً"، مع تشديده على أهمية استمرار الدعم الغربي.
إلى ذلك، أبرزت صحيفة "فرانكفورتر الغماينه" أن المراسلات الداخلية بين المستشارية ووزارتي الدفاع والمالية جزمت بعدم الموافقة على طلبات جديدة لأوكرانيا، لعدم توفر الأموال اللازمة، "فإذا طلبت كييف ذخيرة أو قطع غيار ومعدات إضافية في هذا العام، على الحكومة رفض ذلك".
تجدر الإشارة هنا إلى أن برلين قدّمت منذ بدء الحرب في 22 شباط (فبراير) 2022 وحتى أيار (مايو) 2024 ما مجموعه 34 مليار يورو لأوكرانيا، شملت المساعدات والأعتدة، ومعظم الإنفاق تمّ ربطه بطلبات صناعة الأسلحة والتي تشمل المركبات المدرعة والدبابات القتالية والصواريخ وقطع الغياروالذخيرة وغيرها.
خطط بديلة
في ضوء ما تقدّم، يقول آرنيه فويست، الباحث في الشؤون الاقتصادية، لـ"النهار العربي": "من الناحيتين البيروقراطية والقانونية، لم يتضح بعد إذا كان رصد أموال لأوكرانيا في المدى المنظور ممكناً. لكن، إذا تعثرت الخطوات المرتقبة في هذا المضمار، فإن ألمانيا ستكون في موقف حرج، وقد تواجه مشكلة في الميزانية عند اضطرارها لرفع مستوى الدعم مجدداً لأوكرانيا"، خصوصاً أن لا مؤشر حالياً لأي تفاوض على وقف إطلاق النار مع روسيا.
ويُذكر أن الإتحاد الأوروبي حوّل في تموز (يوليو) الماضي ما قيمته 1,5 مليار يورو من دخل الفوائد الروسية إلى أوكرانيا.
وتنسب التقارير إلى مصادر مطلعة قولها إن شولتس يعرف تماماً أن الوصول إلى إرباح الفوائد على الأصول الروسية المجمّدة ممكن، مع تمسك برلين بعدم استخدام كامل الأصول الروسية لمبررات أخلاقية، ومن أجل الحفاظ على المبادئ الأساسية للقانون الدولي، المتمثلة أولاً بحصانة الدول.
مستعدون للطوارئ
من زاوية أخرى، بينت شبكة "آيه آر دي" الإخبارية، أن وزارة المالية أكّدت استعدادها للبحث في توفير أموال اضافية، لكن ذلك يتطلّب الإبلاغ عن الاحتياجات الإضافية لتقييمها، والامتثال لجمي4ع قواعد الميزانية، حتى تتمكن من طلب موافقة البوندستاغ الألماني. حالياً لا وجود لأي إخطار أو تقرير عن الحاجة إلى ذلك.
وبحسب أرقام الخزانة الأميركية، تمّ تجميد نحو 280 مليار دولار من أموال المركزي الروسي في الدول الغربية منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا.
في خضم ذلك، قال أوليكسي ماكييف، السفير الأوكراني لدى برلين، لـ"بيلد ام زونتاغ" إن "أمن أوروبا يعتمد على قدرة المانيا وإرادتها السياسية على الاستمرار في لعب دور قيادي في دعم أوكرانيا، وإيجاد طرق تمويل لاحتياجاتنا الأمنية المشتركة لهذا العام، وسيقول البوندستاغ الألماني كلمته بشأن ميزانية عام 2025 بقوة ووضوح"، مشدّداً على أن المساعدات العسكرية لأوكرانيا استثمار في الأمن وضمان السلام لأوروبا.