أعلنت السلطات الألمانية أنه بعد تحريات مكثفة ومداهمات ليل السبت سلّم المشتبه به الرئيسي في عملية الطعن عشوائياً، ليل الجمعة في سوق مزدحمة في وسط مدينة زولينغن التي كانت تحتفل بالذكرى 650 لتأسيسها، وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص وجرح 8 آخرين، 4 منهم في حالة الخطر، نفسه إلى الشرطة، وأفيد بأنه لاجئ سوري (26 عاماً)، يدعى عيسى من محافظة دير الزور، وصل إلى ألمانيا في كانون الأول (ديسمبر) 2022 وتقدم بطلب لجوئه في مدينة بيليفيد، وكان يعيش في مسكن للاجئين تابع لبلدية زولينغن.
وبينت آخر المعطيات المتعلقة بالهجوم الإرهابي الذي تبنته "داعش"، والواردة من شرطة ديسلدورف، أن "المشتبه به الحقيقي" وعند تسليم نفسه كان لا يزال بثيابه الملطخة بالدماء، كما بينت التقارير أنه تم توقيف شخصين آخرين يشتبه بارتباطهما بالعملية.
إلى ذلك، ذكرت شبكة "إيه أر دي" الإخبارية نقلاً عن وزير داخلية ولاية شمال الراين فستفاليا هربرت رويل التي تتبع لها زولينغن، أن محاصرة مركز إيواء للاجئين في مكان ليس ببعيد عن مكان حصول الهجوم وتفتيشها من قبل فرقة من قوات النخبة جاءا نتيجة للمعلومات التي تمت مقاطعتها بين الأجهزة المعنية، وأنه عُثر على أدلة تثبت تورطه في الهجوم، مفيداً بأن المشتبه به لم يكن معروفاً من السلطات الأمنية باعتباره متطرفاً إسلاموياً.
كيف يسيرالتحقيق
وبعدما كان المكتب المركزي للإرهاب في مكتب المدعي العام في مدينة ديسلدورف عاصمة الولاية يتولى التحقيقات الأولية، تسلم ملف التحقيقات بسبب "الأهمية الخاصة" للجرائم الإرهابية مكتب الادعاء العام الاتحادي في كالسروه، وهو أعلى سلطة لإنفاذ القانون في جمهورية ألمانيا الاتحادية، ومسؤول عن التحقيقات عندما يكون هناك شك أولي في أن منظمة إرهابية تقف وراء جريمة ما، ليتابع تحقيقاته وتثبيت الاشتباه بانتماء الموقوف إلى ميليشيا "داعش". وطلب من المواطنين الذين كانوا في المكان المساعدة في كشف ملابسات الجريمة عبر تزويد الشرطة بالصور أو مقاطع الفيديو، كما إمكانية تقديم مشاهداتهم وملاحظاتهم.
وبناءً على ذلك، سيجري قانوناً التحقيق مع الرجل المعتقل للاشتباه بارتكابه جريمة قتل ثلاثية ومحاولات قتل متعددة وعضويته في تنظيم إرهابي متطرف. وفي السياق، اعتبر خبراء أمنيون أن العمل ذو دوافع إرهابية بحتة، والاشتباه الأولي لدى الادعاء العام بوجود خلفية إرهابية نشأ من حقيقة أنه ليس هناك من دافع آخر واضح للجريمة، وأن العمليات التي يتبناها التنظيم عادة ما تكون صحيحة وبنسبة أكثرمن 95%، مع العلم أن وكالة "أعماق" التابعة لـ"داعش" تبنت العملية، مشيرة إلى أن المهاجم قام بـ"الانتقام" للمسلمين في الأراضي الفلسطينية وفي أماكن أخرى من العالم.
وفي هذا الصدد، اعتبر مراقبون أنه رغم رفع مستوى التدابير الأمنية منذ كأس أوروربا، وعلى مدار الأشهر الماضية بفعل التحذيرات الاستخبارية من تزايد خطر الإرهاب بسبب الحرب في الشرق الأوسط والتطرف في العالم الإسلامي نتيجة الحرب المستمرة منذ أشهر في غزة، لا سيما أن ألمانيا، إلى جانب الولايات المتحدة، تعتبر أحد أهم حلفاء إسرائيل وأهم موردي الأسلحة لها، حصل الخرق الأمني لكن هذه المرة في توقيت مريب.
وقال الدكتور تقادم الخطيب لـ"النهار العربي" إن هذه الجريمة ستعزز ادعاءات اليمين المتطرف والشعبوي في البلاد وخطاب الكراهية ضد المسلمين، طارحاً علامة استفهام حول توقيت العملية على بعد أيام من انتخابات برلمانية في ولايتي سكسونيا وتورينغن الواقعتين شرق البلاد، وحيث السعي الدؤوب من قبل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي للوصول إلى السلطة، وهو المعروف بمناهضته للهجرة واللجوء، ومذكراً بجريمة طعن ضابط شرطة في مانهايم وجرح آخرين، وقبل الانتخابات الأوروبية التي جرت في حزيران (يونيو) الماضي، واستغلها حينها "البديل" في حملته الانتخابية لتعزيز الاستقطاب ورفع حضوره في برلمان الاتحاد الأوروبي في استراسبورغ.
وأفادت "فوكوس أونلاين" بأنه كان يجب ترحيل المشتبه به إلى بلغاريا بداية عام 2023، لكن عملية الترحيل فشلت بعدما اختفى لمدة 6 أشهر، وعندما ظهر مجدداً أعيد في نهاية العام نفسه ومُنح إقامة فرعية، والتي غالباً ما يحصل عليها اللاجئون من مناطق الحروب، وتم إيواؤه في مركز للاجئين في المدينة حيث نفذ عملية الطعن.
حظر استخدام السكاكين
وعلى خلفية الهجوم تأججت النقاشات في البلاد حول قوانين السلاح وأهمية الحظر الأكثر صرامة لاستخدام السكاكين، كما الوسائل المناسبة لمكافحة الجرائم التي تنفذ بواسطتها. وفي الإطار، كان هناك مطالبات من الحزب الاشتراكي الديموقراطي بالتشدد في القوانين وفرض حظر شبه كلي عليها في الأماكن العامة أمام اعتراض من الحزب الليبرالي الحر، لكن على ما يبدو بعد الهجوم الإرهابي، فإن شيئاً ما قد تغير، لا سيما أن وزير العدل الاتحادي ماركوبوشمان والمنتمي إلى الأخير، أفاد بإجراء مشاورات بشأن ذلك وبأن الحكومة الفدرالية ستناقش كيفية المضي قدماً في مكافحة هذا النوع من الجرائم، علماً أن هناك أطروحات لوزارة الداخلية أهمها حظر الأسلحة والسكاكين التي يزيد طولها عن 12 سنتمتراً في مناطق معينة، بينها الأماكن العامة والتجمعات ومحطات القطارات.
وفي رد مبدئي، اعتبر السياسي عن "الاشتراكي" ديرك فيزه أنه يتعين على السياسيين أخيراً إحراز تقدم بشأن حظر السكاكين، معرباً عن تأييده لمنح المزيد من الصلاحيات للأجهزة الأمنية من أجل اكتشاف الجناة في مرحلة مبكرة وبخاصة في الفضاء الرقمي.
من جهة أخرى، كانت هناك انتقادات لهذه الخطط لأنها لن تكون كافية للحد بفعالية من العدد المتزايد للجرائم بالسكاكين والفؤوس وغيرها في ألمانيا، وبرزت مقترحات أخرى وفيها أنه يجب أن يتم الحظر على وجه التحديد ضد الأشخاص الذين ارتكبوا أعمال عنف في الماضي.
وفي ضوء هذه التطورات الأمنية الخطيرة، نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن نائب المستشار وزير الاقتصاد الفدرالي والمنتمي إلى حزب الخضر روبرت هابيك قوله، إنه من غير المعروف ما إذا كان من الممكن منع هذا العمل الإجرامي الفظيع في زولينغن بقوانين أكثر صرامة، لكن بعض التشديد القانوني هو ببساطة أمر صحيح وضروري بعد هذا الهجوم، ليضيف قائلاً: "لا أحد في ألمانيا يحتاج إلى قطع من الأسلحة في الأماكن العامة، لم نعد نعيش في العصور الوسطى".