تبهر الأرقام التي يحققها "تحالف سارة فاغنكنشت" المصنف يسارياً شعبوياً، والذي أسسته قبل أشهر السياسية الألمانية سارة فاغنكنشت بعد انفصالها عن حزب اليسار، في استطلاعات الرأي الوسط السياسي في البلاد، وبعدما بات يجذب الاهتمام رغم أنه لا يزال من غير الواضح ما الذي يريده تحقيقه بالضبط، وأغلب المرشحين على قوائمه في الانتخابات البرلمانية الولائية المقررة في الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل في ولايتي تورينغن وسكسونيا شرق البلاد، من الوافدين السياسيين الجدد وغير المعروفين. فماذا عن النجومية الصاعدة لفاغنكنشت التي تعتقد أن لديها فرصة لأن تصبح رئيسة وزراء في تورينغن والمشاركة في السلطة داخل سكسونيا؟
تشكيك بالتمويل
تفيد آخر الاستطلاعات ومن بينها واحد لـ"معهد فورسا"، بأن تحالف فاغنكنشت يحقق ما نسبته 20% من أصوات الناخبين في ولاية تورينغن متقدماً بذلك 14 نقطة، مقابل تراجع "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي من 36% إلى 30%، لكن محافظاً على الصدارة أمام المسيحي الديموقراطي الذي حل ثانياً بنسبة 21% من الأصوات. وفي سكسونيا نال تحالفها 15% من الأصوات متقدماً 9 نقاط ليحل ثالثاً خلف كل من المسيحي الديموقراطي (30%)، والبديل الذي تراجع 4 نقاط مستقراً عند 32 (%). فيما تقبع أحزاب تقليدية أساسية أخرى في أسفل الترتيب.
وفي السياق، شكا الأمين العام للحزب الاشتراكي الديموقراطي كيفن كونهرت، في حديث صحافي، من التمويل الذي يناله هذا النموذج من الأحزاب الذي يمثل سابقة، داعياً إلى إجراء تغييرات على قواعد التمويل للأحزاب، وبعدما تبين أن تحالف فاغنكنشت الذي لم يتخطَّ عدد أعضائه حتى تموز (يوليو) 650 عضواً على مستوى البلاد، تلقى خلال الأشهر الماضية تبرعات وصلت إلى نحو 5 ملايين يورو، بينها 4 ملايين من أحد الأفراد، ومشيراً إلى أن تحالفها في شكله الحالي هو منتج اختباري من دون قاعدة عضوية. وحذر قائلاً: إذا فهم طغاة هذا العالم أن بإمكانهم بناء حزب من ورق في أكبر دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ببضعة ملايين، عندها سنواجه تطوراً يمكن أن يضع ديموقراطيتنا تحت ضغط كبير، فيما لم يتردد المسيحي الديموقراطي عن وصف حزب فاغنكنشت بـ"الصندوق الأسود".
دعاية للكرملين
تثير فاغنكنشت بمواقفها من الحرب ضد أوكرانيا جدلاً في الوسط السياسي والإعلامي، بفعل التصريحات التي تدلي بها أسبوعياً مستغلة المنابر الانتخابية للدعاية للكرملين. وتفيد التعليقات بأنها باتت تلقب في روسيا بالنجمة الجديدة للسياسة الألمانية، وكثيراً ما تستشهد وسائل الإعلام الروسية بمواقفها المشوهة للحقائق وتحمّل بموجبها أوكرانيا والغرب المسؤولية عن حرب بوتين العدوانية.
واستناداً إلى ما سبق، ذهبت فاغنكشت أخيراً في حديث لها مع مجموعة "فونكه" الإعلامية إلى أبعد من ذلك، وزعمت أن أوكرانيا كانت موقعاً للولايات المتحدة ولحلف الناتو، وهناك أكثر من 4000 جندي كانوا يتمركزون على أراضيها، كما أن هناك 12 قاعدة عسكرية تابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية "سي أي إيه" في كييف وأن كل ذلك أدى إلى الحرب الحالية، مكررة موقفها الرافض تسليم شحنات الأسلحة ونشر الصواريخ الأميركية البعيدة المدى في ألمانيا.
كما برزت تحليلات وفيها أنه أصبح لدى بوتين الآن، بالإضافة إلى حزب البديل اليمين الشعبوي، حزب ألماني ثان يدعمه في أعماله "القذرة"، حتى أن الناشطة ماريان بيرثلر وصفت أخيراً في حديث مع "تاغسشبيغل"، مواقف فاغنكنشت في السياسة الخارجية بأنها "مريبة وكاذبة في بعض الأحيان"، مذكرة بتصريح لفاغنكناشت قالت فيه إن روسيا تحارب الفاشية في أوكرانيا، "وهذا لا يمكن اعتباره إلا دعاية للكرملين، فيما كييف تناضل من أجل الحرية والديموقراطية، وهذا بالضبط ما يزعج الكرملين".
واعتبر الكاتب السياسي جاك شوستر أنه ينبغي لها أن تعرف لماذا لا تستطيع روسيا أن تكون شريكاً طبيعياً لألمانيا، لافتاً إلى أنه في الأنظمة الشمولية تستخدم الدولة العنف للحكم، وأن بوتين تلميذ ستالين المطيع الذي قال جملته الشهرية وفيها أنه لا يمكن البقاء في السلطة بالترهيب وحده والأمر يتطلب الكذب، وزعيم الكرملين يرتكب جرائم القتل والأكاذيب وليس فقط في أوكرانيا، مضيفاً: "أي نوع من الأنظمة هذا الذي يرتجف من عازف بيانو يدعى بافيل كوشنير اعتقل بسبب احتجاجه على حرب بوتين ضد أوكرانيا، وأضحى اليوم في عداد الأموات بعد إضرابه عن الطعام؟".
إلى ذلك، بينت القناة الثانية "زد دي أف"، أن أكثر من 50 ناشطاً في مجال الحقوق المدنية نشروا رسالة مفتوحة بينوا فيها الأكاذيب التي ينشرها تحالف فاغنكنشت بشأن الحرب الأوكرانية في الولايات الثلاث الواقعة شرق البلاد والتي ستخوض انتخابات برلمانية ولائية خلال الفترة المقبلة، مشيرين فيها إلى أنه يتعين على الأحزاب الديموقراطية أن تفكر ملياً قبل الإقدام على تشكيل ائتلاف حكومي بعد الانتخابات مع "هؤلاء الكذابين من تحالف فاغنكنشت".
فاغنكنشت فلاديميرا بوتينوفا
ورأى المؤرخ الألماني إلكو ـ زاشا كوفالشوك أن هناك الكثير من أوجه التشابه بين حزب البديل اليميني المتطرف وتحالف فاغنكنشت المصنف يساراً شعبوياً، وأن أسباب التأييد الكبير الذي تحظى به وحزبها في شرق ألمانيا يعود إلى الوعود التي تطلقها، وبينها "سنعيد الدولة القوية" وما له من وقع على الناخبين هناك، مضيفاً أن معظم الناس هناك كانوا عامي 1989 و1990 يعتقدون أن هناك علاقة وثيقة بين الحرية والديموقراطية، من ناحية، والوعد بالرخاء، من ناحية أخرى، وهذا ما لم يتحقق كلياً على مدار الثلاثين عاماً الماضية.
وفي هذا الصدد، قال الناشط السياسي جان مولر لـ"النهارالعربي"، إن فاغنكنشت تطرح برنامجاً جذاباً وتغازل الناخبين وأغلبيتهم من أصحاب الدخل والتعليم المتوسطين، بتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، ومن بينها رفع الحد الأدنى لأجر الساعة وإعفاء المعاشات التقاعدية التي لا تتخطى 2000 يورو من الضرائب ووقف الهجرة غير المنضبطة وترحيل المرتكبين من الأجانب.
أما قناعات فاغنكنشت السياسية الأساسية فتركز على أنه لا بد لألمانيا من أن تتقرب من روسيا وتكون متشابكة اقتصادياً تشابكاً وثيقاً معها من أجل تحقيق التكامل السياسي، وحرب أوكرانيا تقف الآن أمام هذه التوجهات. وقال المؤرخ كوفالشوك، لذلك فإن سارة على سبيل المثال، تعتبر أنه يجب عدم تسليم الأسلحة لكييف، وتجاهر بأنها تحلم ببنية أمنية ألمانية روسية، وعليه، "لدي استنتاج أنها تطمح إلى مثل هذه الظروف، ومن الواضح أنها ترغب بشدة في أن تصبح فلاديميرا بوتينوفا".
وخلص إلى أنه لا يستبعد أن تكون هناك أزمة حكم نتيجة الانتخابات أمام التحولات لدى طيف كبير من الناخبين هناك، بدلاً من أن تؤدي العملية الانتخابية إلى ظروف سياسية مستقرة.