نجت السفينة الحربية "اتش ام اس فيكتوري" HMS Victory من قذائف مدفعية بحرية نابليون، ومن قنبلة خلال الحرب العالمية الثانية، وحتى من مشاريع لتفكيكها... غير أنها تواجه خطرا فتاكا جديدا مصدره حشرات تهدد هيكلها.
وتشكل هذه السفينة التي شُيّدت عام 1759، رمزا للتراث البحري البريطاني. وقد توفي الأدميرال نيلسون على متنها خلال معركة الطرف الأغر (ترافالغار - Trafalgar) في عام 1805.
وفي كل عام، يأتي حوالى 350 ألف شخص لمعاينة هذه السفينة في الحوض الجاف منذ عام 1922 في بورتسموث، في جنوب إنكلترا.
وتخضع "اتش ام اس فيكتوري" حاليا لعملية تجديد بقيمة 45 مليون جنيه إسترليني (59,35 مليون دولار)، يُعتقد أنها ثاني أكبر مشروع ترميم في أوروبا بعد ورشة ترميم كاتدرائية نوتردام في باريس بعد الحريق الذي أتى على أجزاء واسعة منها سنة 2019.
وبات هذا التجديد الكبير ضروريا بعد رصد انتشار للعفن على جزء كبير من هيكل السفينة الخشبي.
وقد تسربت مياه الأمطار إليه، ووجدت حشرات فتاكة تُسمى الخنافس الكبيرة ما تقتات عليه عند هذا الهيكل.
ويقول رئيس مشروع الحفاظ على السفينة سايمون ويليامز لوكالة فرانس برس إنه لولا اتخاذ إجراءات عاجلة، لكان وضع "اتش ام اس فيكتوري" قد استمر في التدهور، ما يؤدي إلى "فشل هيكلي كارثي".
تقنيات الأسلاف
ويعمل نجارون متخصصون على استبدال أجزاء معينة من الهيكل، سيصار بعد ذلك إلى تغطيتها بطبقة خارجية جديدة مقاومة للماء.
ويعمل مديرو المشروع مع خبراء من جامعة ساوثمبتون لضمان استخدام مواد حديثة بهدف ضمان أقصى عمر ممكن للسفينة.
لكن بحسب النجار جيمس هايكرافت، فإن التقنيات التي كانت يستخدمها أسلافه قبل 250 عاما لا تزال سارية.
ويقول: "لم يتغير الأمر كثيرا"، وذلك خلال استخدامه منجرا ومطرقة وإزميلا على جزء تمت إزالة الخشب الفاسد منه.
وبمجرد اكتمال العمل الجاري حاليا في القسم المركزي من السفينة، سيكرر النجارون العملية على مقدمة السفينة ومؤخرتها. بعد ذلك، سيأتي دور الصواري، في عملية قُسمت إلى مراحل لعدم وقف تدفق الزوار.
بطل قومي
ليست هذه أول مرة يتم فيها إنقاذ سفينة "فيكتوري".
فقد كانت لدى ضباط كبار في البحرية البريطانية خطط لإزالة معظم الطبقات المختلفة وتقليصها إلى طبقتين. غير أن ذلك أثار غضبا شعبيا، ما أدى للتخلي عن المشروع.
ويقول سايمون ويليامز: "ارتباط السفينة بمعركة ترافالغار هو الذي أنقذها، لكنني لا أعتقد أن البحرية مهتمة جدا بالسفن الحربية".
كما أن "فيكتوري" تحتل مكانة خاصة في قلوب الإنكليز، إذ يرتبط تاريخها ارتباطا وثيقا بتاريخ الأدميرال نيلسون الذي حقق سلسلة انتصارات ضد بحرية نابليون، ولا سيما انتصار ترافالغار.
هذه المعركة، التي هزم فيها نيلسون الأسطول الفرنسي والإسباني لكنها كلفته حياته، أنهت تهديد الغزو من الإمبراطور نابليون بونابرت، وجعلت من نيلسون بطلا قوميا.
ولا يزال تمثاله قائما فوق عمود يبلغ طوله 51 مترا أقيم تخليدا لذكراه في ساحة ترافالغار في وسط لندن.
كما أن "اتش ام اس فيكتوري" هي السفينة الوحيدة التي لا تزال موجودة من بين السفن المشاركة في حرب الاستقلال الأميركية وفي الحروب الثورية الفرنسية وحروب نابليون.
"شجاعة"
يعود تاريخ آخر تجديد رئيسي لهذه السفينة إلى عام 1814.
وأجريت أعمال تجديد أخرى أيضا بعد حملة "سايف ذي فيكتوري ("أنقذوا فيكتوري") التي قامت بها جمعية الأبحاث البحرية في عام 1922.
وبعد ست سنوات، حُولت السفينة متحفا. ويواصل الزوار التدفق إلى المكان لاكتشاف الحياة اليومية للبحارة في القرن الثامن عشر.
كان يعيش على السفينة أكثر من 800 من أفراد الطاقم، وكانوا ينامون على أراجيح ويعيشون على حصص من اللحوم المملحة والجبن والبازلاء المجففة والبسكويت، بالإضافة إلى بعض المشروبات يوميا.
ومن المتوقع أن تكتمل ورشة التجديد الحالية في عام 2032 أو 2033، على أن يسمح ذلك للسفينة بالاستمرار لخمسين عاما أخرى على الأقل، إن لم يكن 100 عام.