إنه الملياردير الرقم 121 على لائحة "فوربس". أصبح بافل دوروف (39 سنة)، الذي أوقف السبت في مطار قرب باريس، الشغل الشاغل لعدد من المهتمين بحرية التعبير. أوقف دوروف بسبب تحقيق أطلقته السلطات الفرنسية في محتويات مؤذية على تطبيق "تلغرام" الذي أسسه قبل 11 عاماً، وأعلنت النيابة العامة في باريس الافراج عنه مساء اليوم مع منعه من السفر.
يقول كثر إن اعتقاله تعبير عن "انتهاك" فرنسي لحرية التعبير. صاحب موقع "أكس" إيلون ماسك تخوف في منشور من أن يؤدي هذا المسار إلى "إعدامٍ بسبب إعجابٍ بميم (على الإنترنت)". السناتور الروسي أليكسي بوشكوف وصف فرنسا بـ"الديكتاتورية الليبرالية".
نفى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن تكون هناك خلفيات سياسية وراء التوقيف وأكد دفاعه عن حرية التعبير والعمل الريادي. ويبدو أن ماكرون نفسه يستخدم التطبيق منذ فترة بحسب "بوليتيكو". يبحث التحقيق في قضايا متعلقة بانتهاك حقوق الطفل وتجارة المخدرات والاحتيال وغسيل الأموال والتحريض على معاملات إجرامية ورفض التعاون مع أجهزة إنفاذ القانون. وتضمنت الشبهات أيضاً الاستخدام غير السليم للتشفير.
وقالت النيابة العامة في باريس بعد ظهر الأربعاء إن دوروف سيواجه "استجواباً أولياً واتهاماً محتملاً" في إحدى محاكم العاصمة، بعد نقله من حجز للشرطة.
يعمل "تلغرام" كتطبيقات شهيرة أخرى للتراسل، لكنه يستضيف قنوات كبيرة، ما يسهّل نقل المعلومات داخله على نطاق واسع. في الواقع، يتفوق "تلغرام" على موقع "أكس" نفسه من حيث عدد المستخدمين في الشهر الواحد إذ يتخطى الرقم 900 مليون. ويحظى التطبيق بانتشار واسع خصوصاً في روسيا وأوكرانيا، حيث يعد وسيلة أساسية لنشر أفكار مدوني الحرب الروس عن غزو أوكرانيا.
"حقنا بالخصوصية أهم"
ينفر دوروف من القواعد الناظمة لحرية التعبير كما يقول. يمثّل ذلك سيفاً ذا حدين. إذا كان دوروف حريصاً على حرية التعبير فالتقليل من الضوابط سيسمح في نهاية المطاف بانتشار المحتوى المؤذي. في 2015، وبحسب تقرير لمجلة "تايم"، قال دوروف: "أعتقد أن حقنا بالخصوصية أهم من خوفنا من حدوث أمور سيئة، مثل الإرهاب"، وأضاف أنه يجب "ألا يشعر بالذنب" من استخدام "داعش" لتلغرام. أقفل التطبيق عشرات القنوات لـ"داعش" لاحقاً، لكن ذلك لم يزل المخاوف ولا قدرات التنظيم على التجنيد.
صحيح أن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف شدد على ضرورة تقديم فرنسا إثباتات "قوية" للاتهامات "الخطيرة" الموجهة إلى دوروف، تحت طائلة أن يتحول التحقيق إلى "ترهيب مباشر"، لكن قبل ذلك بأشهر كانت له مخاوف أخرى. بعد الهجوم الإرهابي على قاعة للحفلات الموسيقية بالقرب من موسكو في آذار (مارس)، طلب بيسكوف من دوروف أن يكون أكثر يقظة بعدما قالت وكالة إعلامية روسية إن تجنيد المهاجمين تم عبر قناة متطرفة على تطبيق تلغرام تابعة لتنظيم "داعش – خراسان". وحظرت روسيا تطبيق تلغرام عام 2018 وغرّمت الشركة مراراً لفشلها في حذف محتوى تصفه بغير الشرعي. ورُفع الحظر عام 2020.
وفي 2023، حظرت البرازيل التطبيق موقتاً بعد تحقيقات في مزاعم بشأن استخدام مجموعات من النازيين الجدد التطبيق لشن هجمات ضد مدرسة.
ليست الأفضل... ولكن
ويقول المدافعون عن التحقيق إن شركات غربية تعرضت لتحقيقات مماثلة كما حدث مع "فايسبوك" و"إنستغرام". كتب المدير السابق لمكافحة الإرهاب في "فايسبوك" برايان فيشمان أن القضية لم تكن مجرد غياب ما يكفي من الإشراف، وهو انتقاد واجهته العديد من المنصات. وأشار إلى أن تلغرام "كان المركز الرئيسي لداعش لعقد من الزمن. هو يتسامح مع (مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال)". وأضاف: "إنه ليس إشرافاً خفيفاً على المحتوى؛ إنه نهج مختلف تماماً".
لكن "تلغرام" أصدر بياناً على موقع "أكس" جاء فيه أنه يلتزم بالقوانين الأوروبية، بما فيها "قانون الخدمات الرقمية" لعام 2022، مشيراً إلى أن معايير الإشراف والمراقبة متوافقة على معايير الصناعة وهي تتحسن باستمرار. وأضاف: "ليس لدى الرئيس التنفيذي لتلغرام بافل دوروف ما يخفيه وهو يسافر بشكل متكرر في أوروبا".
وقال مسؤول فرنسي رفض الكشف عن اسمه لـ"بوليتيكو" إنّ التطبيق أحبط الجهات الرسمية لرفض منح أجوبة عن "ملفات قذرة". لكن حزب "النهضة" التابع لماكرون يستخدم التطبيق لإرسال بيانات عامة إلى الصحافيين عبر قناة خاصة تضم 150 صحافياً. في الوقت نفسه، تنقل المجلة عن النائب في "النهضة" إريك بوثوريل قوله إن مستويات الحماية التي يقدمها التطبيق "ليست الأفضل، لكنها ليست الأسوأ" أيضاً.
ماذا عن الهواجس؟
إن المخاوف على حرية التعبير، بحسب "إيكونوميست"، ليست بلا أساس. ففي العام 2021، كشف مؤسس "ميتا" (الشركة الأم لـ "فايسبوك" و"إنستغرام") مارك زوكربرغ أن شركته تعرضت للضغط مراراً لإزالة محتوى يتعلق بجائحة "كورونا" ومن ضمنه الفكاهة والسخرية. لكن المجلة لا تغفل عن مقارنة بارزة في القدرة التنظيمية على إزالة المحتوى المؤذي. يبلغ عدد الفريق الإداري في "تلغرام" نحو 50 شخصاً. بينما يبلغ عدد الفريق المشرف على شؤون الأمن والسلامة فقط في شركة "ميتا" نحو 40 ألفاً.
مع ذلك، يميل بعض المحافظين إلى التشكيك بالنوايا الفرنسية والأوروبية خلف توقيف دوروف. من بين الأدلة التي استعرضتها "وول ستريت جورنال"، توجيه رئيس المفوضية الأوروبية للأسواق المالية والمدير السابق لشركة اتصالات فرنسية تييري بريتون انتقاداً لماسك قبل ساعات من مقابلته مع الرئيس السابق دونالد ترامب على "أكس". كتب بريتون: "أتفهم أنكم تقومون حالياً باختبار إجهاد للمنصة. في هذا السياق، أجد نفسي مضطراً لتذكيركم بالتزامات العناية الواجبة المنصوص عليها في قانون الخدمات الرقمية".
تخشى الصحيفة من أن قادة الدول الديموقراطية، حيث تتدهور الثقة بالمؤسسات، لا يساعدون أنفسهم أو بلادهم حين "يطمسون الخطوط الفاصلة بين السلوك الإجرامي والتعبير الذي يجدونه مسيئاً".
مع أو بدون انتهاك لحرية التعبير، وبما أن هذه القضية ستشكل أساساً محتملاً لملاحقات مستقبلية مشابهة، سينتج عن توقيف دوروف تأثير دائم، كما رجّحت "إيكونوميست".