أخلت غالينا تولماتشيفا وزوجها أندريه منزلهما في منطقة كورسك الروسية على عجل ويواصلان تفقّد هاتفيهما للاطّلاع على آخر المستجدّات مع استمرار الهجوم الأوكراني.
وقالت غالينا (50 عاماً) وهي عاملة في البريد "لا نعرف حقّاً إلى أين نذهب".
وأضافت في حديث لوكالة "فرانس برس" أنّها وزوجها انتظرا حتى "اللحظة الأخيرة" ليفرّا من منزلهما في 19 آب (أغسطس)، مع أولادهما الثلاثة البالغين 9 و13 و30 عاماً.
وأضافت غالينا التي كانت تقطن في قرية ألكسندروفكا الصغيرة على بعد حوالى 25 كيلومتراً من الحدود مع أوكرانيا "لم يبقَ أحد في القرية".
وشنّت القوّات الأوكرانية هجوماً مباغتاً واسع النطاق على منطقة كورسك الروسية في 6 آب (أغسطس). وأعلنت كييف أنّها تهدف إلى إنشاء "منطقة عازلة" لحماية المدنيين المقيمين قرب الحدود، والضغط على موسكو لدفعها إلى محادثات سلام "عادل".
وأكّدت أوكرانيا أنّها سيطرت على 100 بلدة في شهر واحد تقريباً، ما دفع 130 ألف مدني روسي إلى إخلاء منازلهم.
وانتظرت عائلة تولماتشيف حتى "سقطت القذائف تحت شرفة المنزل وفي البستان" للمغادرة، حسبما روت غالينا.
وفي هذه الظروف، اضطرت العائلة إلى ترك "كل شيء"، إذ أجبرها الجيش الروسي على الإخلاء.
وعلى غرار العديد من سكّان المنطقة، كانت العائلة تربّي الدجاج والماعز والأرانب. وقالت غالينا "أطلقنا سراح كل حيواناتنا". وأضافت "تركنا الجرار والسيارة وبستاننا. تركنا كل شيء خلفنا. هربنا بملابسنا".
وأُجليت والدة غالينا أيضاً، لكنّها كانت في حالة صحية سيئة وتوفيت بُعيد ذلك.
"لم يُبلّغ أحد"
منذ 19 آب، تقيم العائلة في مركز استقبال كبير موقت أنشأته السلطات الروسية في ما كان في السابق سوبر ماركت في منطقة آمنة من القتال في إقليم كورسك، تمكنت وكالة "فرانس برس" من زيارتها.
وقالت مديرة المركز نيكيتا ميروشنيتشينكو إن المركز يستضيف حالياً 400 شخص بينهم 50 طفلاً ينامون في صفوف من الأسرّة الموقتة.
وأضافت في حديث لـ"فرانس برس" أن متخصّصين في علم النفس يقدّمون المشورة للموجودين، في حين تُنظَّم أنشطة يومية مثل الألعاب الترفيهية للأطفال كوسيلة لتمضية الوقت ورفع المعنويات.
ويسعى الحاضرون إلى شغل أنفسهم، فبعضهم كان يقرأ أو يأكل أو يغسل ملابس فيما انشغلت أخريات في التبرّج، لكن لم يختر سوى قلائل الثرثرة لتمضية الوقت، بينما بدت ملامح التعب والتوتّر على الوجوه.
وقال أندريه تولماتشيف (45 عاماً) وهو سائق جرار إنّه يشعر بـ"الرضى" في المركز، لكنّه انتقد السلطات المحلّية مؤكّداً أنّها لم تبلغ الناس بالتوغّل الأوكراني ولم تساعد في عملية الإخلاء.
وقال "مبدئياً لم يُبَلَّغ أحد"، وتبلّغ الناس "من الإنترنت، ومن أصدقاء، ومن معارف، ومن أقارب".
وأضاف "يقول جميع السكّان المحليين إن إدارتنا المحلية تخلّت عنا".
وقطعت فترات من الصمت حديث الزوجين إذ عادت إلى ذاكرتهما مشاهد من الأيام القليلة الماضية محمّلة بمشاعر الأسى.
وفي مواجهة غياب السلطات المحلية ونقص المساعدات الإنسانية، جمع أندريه وزوجته قوارير مياه وخبز ومعلّبات من متاجر مهجورة ووزّعاها على سكّان مسنّين لم يتم إجلاؤهم وعلى جنود عند خط الجبهة.
وقال إن السكّان في إحدى القرى المجاورة "ليست لديهم كهرباء أو مياه".
وفي حين أعلنت كييف أنّها لا تريد احتلال الأراضي التي سيطرت عليها قوّاتها في روسيا، إلا أن غالينا أعربت عن مخاوفها قائلة "لا نعرف ماذا حدث لمنزلنا. وإذا ما زال قائماً، نأمل في العودة إليه".