حمل الأسبوع الماضي نبأ سيئاً لأوكرانيا مع خسارتها أول مقاتلة أميركية من طراز "أف-16". كانت تلك المقاتلة ضمن الحزمة الأولى التي وصلت إلى أوكرانيا في وقت سابق من الشهر الماضي والتي ضمت ست مقاتلات. في حين يمكن تعويض الطائرات النفاثة – وعلى أي حال ستحصل البلاد على المزيد منها في المستقبل المنظور – لا يمكن قول الأمر نفسه عن الطيار أوليكسي ميس.
قال مصدر عسكري أوكراني لشبكة "سي أن أن" إن ميس قُتل حين كان "يتصدى لأكبر هجوم جوي". في 26 آب (أغسطس)، تعرضت أوكرانيا لأكثر من 200 صاروخ ومسيّرة روسية استهدفت نحو 15 منطقة.
كان ميس واحداً من عدد صغير جداً من الطيارين الذين تدربوا على تلك المقاتلة. وتشير الشبكة إلى أن التدرب على هذه الطائرات النفاثة يستغرق سنوات، لكن ميس وآخرين اضطروا إلى إنهاء برنامجهم في ستة أشهر. لهذا السبب، قد تكون قلة الخبرة ساهمت في الحادث. ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤول أميركي قوله إن التحطم نجم على الأرجح عن خطأ الطيار.
ضربة لزيلينسكي
مر عام كامل على منح الإدارة الأميركية الضوء الأخضر للحلفاء الأوروبيين الراغبين بنقل مقاتلات "أف-16" إلى أوكرانيا. حدث ذلك في آب (أغسطس) 2023 وبدأ برنامج التدريب في الخريف. حينها، تعهد الحلفاء الغربيون بمنح كييف ما لا يقل عن 65 مقاتلة من هذا الطراز. يقول مسؤولون أوكرانيون إنهم بحاجة إلى 130 مقاتلة لتحييد القوة الجوية الروسية.
بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، مثّل تدمير المقاتلة ضربة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي قال إنه سيسلم نظيره الأميركي جو بايدن "خطة انتصار" هذا الشهر.
بسبب قلة أعداد "أف-16" التي حصلت عليها أوكرانيا لغاية اليوم، تؤدي هذه المقاتلات دوراً دفاعياً بشكل شبه حصري. ثمة مخاوف من أن تخسر المقاتلات الأميركية المواجهات مع طائرات نفاثة روسية من جيل أحدث. في نهاية المطاف، تم تصنيع "أف-16" في الثمانينات وخضعت للتحديث في التسعينات.
تأثير مضاعف
سافر ميس برفقة طيار أوكراني شهير يدعى أندري بيلشيكوف (معروف باسم "جُويس" وقُتل خلال تدريبات السنة الماضية)، إلى الولايات المتحدة في حزيران (يونيو) 2022 لإقناع المشرعين الأميركيين بضرورة نقل هذه المقاتلات إلى أوكرانيا.
وأقال زيلينسكي قائد القوات الجوية الأوكرانية الليفتنانت جنرال ميكولا أوليشوك يوم الجمعة، بعد أربعة أيام على التحطم. بالكاد مرت دقائق على نشر مرسوم الإقالة عبر الموقع الإلكتروني للرئاسة الأوكرانية حتى قال زيلينسكي في كلمة: "نحتاج إلى حماية الناس. حماية الأفراد. الاعتناء بجميع جنودنا".
وقال "معهد دراسة الحرب" إن أي خسارة لمقاتلات "أف-16" ستترك أثراً مضاعفاً على قدرة البلاد لتشغيل أسطولها "من ضمن مظلة دفاعية جوية أو ضمن دور جو-أرض داعم". وكان أوليشوك قد خاض جدالاً حاداً مع نائبة رئيس لجنة الدفاع النيابية الأوكرانية ماريانا بيزوهلا التي نقلت عن مصادر لم تسمها قولها إن منظومة "باتريوت" الدفاعية هي التي أسقطت المقاتلة.
هل هذا الاحتمال ممكن؟
بالنسبة إلى الخبير في الجوانب التقنية والتاريخية والسياسية للأمن الدولي سيباستيان روبلين إن الأمر ممكن تماماً. فبالرغم من أنه لا يثق كثيراً بكلام بيزوهلا، أشار روبلين إلى أن الجيش الأميركي نفسه سبق أن أخطأ حين استهدف أصوله الجوية أو أصول حلفائه، وهو أمر حدث ثلاث مرات في 1991 و2003. إن فك الارتباط بين المنظومات الدفاعية والمقاتلات الحليفة ليس أمراً سهلاً كما كتب الخبير في "ناشونال سيكيوريتي جورنال".
لكنه يستعرض أيضاً عدداً آخر من الأخطاء المحتملة والتي يرتبكها حتى الطيارون المتمرسون عندما ينتقلون إلى قيادة نوع جديد من المقاتلات، كما حدث في العقد الماضي مع مقاتلتين نفاثتين من طراز "بوينغ 737-800 ماكس". والقواعد الجوية غير المعدة بشكل آمن قد تطلق غباراً يعطل المقاتلة ذات المحرك الواحد. ومن الممكن أن تكون روسيا قد أطلقت صواريخ بعيدة المدى ضد المقاتلة، لكن يسهل عادة رصد انطلاق تلك الصواريخ.
ماذا عن المستقبل؟
بحسب روبلين، يصعب كثيراً بناء استنتاجات على حادث واحد، قبل انتهاء التحقيقات. فقد تعرض 15 في المئة من 4600 مقاتلة "أف-16" لخسائر في الهياكل بسبب حوادث تحطم، مما يعني وجوب توقع أن تتعرض أوكرانيا للمزيد من الخسائر المشابهة مع استمرار حصول كييف على المزيد من تلك المقاتلات.
وكان للخبير في الشأن الأوكراني في مجلة "فوربس" ديفيد أكس التقييم نفسه، إذ توقع حتى أن تخسر أوكرانيا عدداً من مقاتلات "أف-16" في الشهر الواحد. مع ذلك، ثمة أمر مثير للقلق بالنسبة إلى الأوكرانيين تحديداً. هم قادرون على تحمل خسائر تلك المقاتلات طالما أنهم يتجنبون الخسائر البشرية بين الطيارين.
بحسب روبلين، أوكرانيا اليوم على طريق تدريب 12 طياراً سنوياً وحسب. بالتالي، لا تبدو معادلة فقدان أكثر من مقاتلة في الشهر الواحد قابلة للاستدامة. ربما لهذا السبب، سارع زيلينسكي إلى إقالة أوليشوك بعد أيام على حادث التحطم. هي رسالة مفادها أن أوكرانيا لا تملك ترف ارتكاب أخطاء قاتلة لطياريها.