هل يقرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً تعيين برنار كازنوف الذي شغل منصبي رئيس الحكومة ووزير الداخلية في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند رئيساً لحكومة جديدة؟
إعلان الرئاسة الفرنسية استقبال كازنوف في الإليزيه صباح الاثنين أدى إلى عودة التكهنات باحتمال تعيينه كونه شخصية اشتراكية تحظى باحترام العديد من شخصيات اليمين الجمهوري، وقد يتمكن من جمع تحالف من بعض الاشتراكيين الذين هم على خلاف مع "فرنسا الأبية" بزعامة جان لوك ميلانشون وبعض عناصر اليمين الذين بإمكانهم العمل معه ووزراء ينتمون إلى تحالف ماكرون "معاً" الذي يضم "الموديم" ورئيسه الوزير السابق فرانسوا بايرو وحزب "أوريزون" Horizon الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق إدوار فيليب.
وفيما نصح الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي كثيراً ما يتحدث مع ماكرون ويقول إنه يستشيره باستمرار (علماً أن ساركوزي شكا يوماً من أن ماكرون يستشيره لكنه لا يستمع إليه)، الرئيس بأن يعين رئيس حكومة يمينياً من حزبه السابق "الجمهوريين"، فإن رئيس الحزب لوران فوكييه غير راغب بالتعامل مع ماكرون.
كذلك، اعلنت ايضا الرئاسة عن استقبال كرافييه برتران الوزير السابق في عهد ساركوزي وهو الاسم اليميني الآخر الذي يتم تداول اسمه لاحتمال تعيينه رئيس حكومة، لكن برتران لن يتمكن من الحصول على دعم رئيس الجمهوريين لوران فوكيي الذي لا يتفق معه الا اذا قام ساركوزي بالوساطة بين الرجلين، كما أنه ليس مؤكداً انه قد يتمكن من الحصول على دعم بعض اليسار الوسطي. لكنه اعلن مرات عدة انه مستعد لتولي رئاسة الحكومة.
حتى الآن، كان اسم كازنوف يتردد في الأوساط السياسية والإعلامية لكن الأخير كان يردد أن الرئيس أو الأمين العام للرئاسة ألكسي كوهلير لم يتصلا به.
وماكرون يعرف كازنوف، إذ إنه عمل وزيراً في حكومته في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وكثيرون من تلك الحكومة قالوا لـ"النهار العربي" إن علاقة ماكرون بكازنوف كانت جيدة، خلافاً لما نشر في بعض الصحف الفرنسية.
وبحسب ما توافر من معلومات، فإن لقاء الإليزيه سيدور حول إمكان كازنوف تشكيل أكبر تحالف لتجاوز التعطيل في غياب امتلاك أي حزب الأغلبية المطلقة في البرلمان. وقال بايرو أمس في هذا السياق إنه إذا تم تعيين كازنوف بعد 43 يوماً على حكومة تصريف أعمال مستقيلة، يجب أن تكون الحكومة الجديدة بمثابة حكومة مشاركة وليست حكومة تعايش، لأن نتيجة الانتخابات بعد حل ماكرون الجمعية الوطنية كانت غير مسبوقة لجهة غياب أغلبية مطلقة.
صحيح أن حكومة تعايش شكلت في عهد الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران مع حزب الرئيس جاك شيراك اليميني الديغولي "التجمع من أجل الجمهورية"، ثم حصل العكس في عهد شيراك عندما ترأس الحكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان، لكن اليوم في رأي بايرو لا يمكن أن تكون حكومة مواجهة لأن الأوضاع المالية في البلد تقتضي شراكة في القرار مع تحالف واسع من اليمين الجمهوري واليساريين المعتدلين ومن الوسط وليس من "فرنسا الأبية".
وفي الاستشارات الذي يجريها ماكرون منذ الانتخابات لتعيين رئيس حكومة أعلنت "الجبهة الشعبية الجديدة" التي تمثل تحالفاً هشاً من يسار متطرف واشتراكيين وحزب البيئة عن تظاهرة في 7 أيلول (سبتمبر) ضد ماكرون الذي رفض تعيين مرشحة الجبهة اليسارية لوسي كاستيه رئيسة حكومة. ماكرون رفض لأنه لن يرضخ لبرنامج عمل "فرنسا الأبية". وكازنوف رفض المشاركة في "الجبهة الشعبية الجديدة" لأنه لا يتفق مع "فرنسا الأبية" ورئيسها ميلانشون.
وكازنوف شخصية اشتراكية بإمكانها أن تتفاهم مع ماكرون على ما يجب القيام به من إصلاحات لتصحيح الوضع المالي والاقتصادي في فرنسا، لكن هل سيكون بوسعه جمع أكبر تحالف ممكن للتصدي للتعطيل من "فرنسا الأبية" و"التجمع الوطني" اليميني المتطرف الذي ترأسه مارين لوبن؟
إن مسألة تعيين رئيس الحكومة وتشكيل حكومة فاعلة ملحة قبل النظر في قانون الموازنة في 1 تشرين الأول (أكتوبر) وإلا ستبقى فرنسا في المأزق الذي وضعت فيه بعد حل ماكرون الجمعية الوطنية. وإذا تعثر تشكيل حكومة فلا يمكن لماكرون بحسب الدستور حل الجمعية مرة أخرى قبل سنة، أي في حزيران (يونيو) المقبل.
وكان رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان الذي شهد حكومتي تعايش قد انتقد بشدة الرئيس ماكرون في حديث إلى قناة LCI الفرنسية قائلاً إن "ماكرون يتجاهل نتائج الانتخابات كأن لم يحصل شيء بعد الانتخابات، الخاسر هو الرئيس ماكرون وهذا مهم لتحليل الوضع، إذ إنه لم يعترف بالخسارة رغم أن هذه نقطة الانطلاق بعد الانتخابات، المسوؤلية الأولى هي على رئيس جمهورية واجه تنصلا من الشعب في الانتخابات وأنا عايشت حكومتي تعايشاً من قرب، والانتخابات تشير إلى أن الشعب يريد حكومة تعايش لأنه يريد توازناً بين الحكومة والرئيس".
ورأى دوفيلبان أن أمام ماكرون ثلاثة خيارات: التقليد الجمهوري، وعليه أن يختار القوى التي وصلت في المرتبة الأولى في الانتخابات، أي "الجبهة الشعبية الجديدة"، أحببناها أو لم نحبها، فهذه هي اللعبة الديموقراطية الجمهورية، ثم من يرأس هذه الجبهة يتولى رئاسة الحكومة، ثم بدءاً من ذلك على رئيس الحكومة أن ينشئ أغلبية لأن ليس لديه أغلبية مطلقة وسيواجه صعوبة في الحكم، وعليه فتسلم رئاسة الحكومة وتشكيل الحكومة لن يكونا بمثابة هدية لرئيس الحكومة بل بالعكس سيكونان بمثلبة عصا حماقة. وبما أن جزءاً من هذه "الجبهة الشعبية الجديدة" لن يتوافق مع باقي الجبهة ستنهار الحكومة بسرعة، وهذا قد يؤدي إلى فرص أخرى مع مرحلة أخرى بتأسيس جبهة جمهورية مع القوى التي تصدت لـ"التجمع الوطني" في الانتخابات، وعندئذ سنرى إذا كان بإمكانهم النجاح، وإذا انهاروا مرة أخرى فالحل بتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تستبعد أحداً حتى "التجمع الوطني" للتحضير للرئاسة المقبلة في 2027، وينبغي الذهاب إلى نظام برلماني أكثر، وعلى ماكرون أن يؤيد مثل هذه الحكومة من أجل إنقاذ فرنسا وأن يكون الرئيس هو القائد، في حين أنه يبتعد عن ذلك، يجب أن يأخذ برأي الشعب فجوبيتير مات بعد هذه الانتخابات.