النهار

التنظيمات الإرهابيّة في أوروبا تستغلّ حرب غزة: استراتيجيات جديدة وتعزيز التجنيد عبر الانترنت
برلين - شادي عاكوم
المصدر: النهار العربي
التنظيمات الإرهابية بدلت من استراتيجيتها العملانية بعد هزيمتها عسكرياً، فبعدما كانت تخطط لعمليات معقدة للغاية، تحولت إلى أساليب فعالة إلى الحد الأقصى يمكنها أن تزرع الخوف في أذهان أكبر عدد ممكن من الناس من دون بذل جهد كبير.
التنظيمات الإرهابيّة في أوروبا تستغلّ حرب غزة: استراتيجيات جديدة وتعزيز التجنيد عبر الانترنت
عناصر من الشرطة الألمانية يرافقون منفذ عملية الطعن في زولينغن أثناء نقله. (ا ف ب)
A+   A-

زاد حجم النشاط الإرهابي في ألمانيا وأوروبا كثيراً خلال الأشهر الماضية مع تنفيذ "الذئاب المنفردة" عدداً من الهجمات. وتفيد الأرقام الصادرة عن الأجهزة الأمنية والاستخبارية في أوروبا بأنه منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023 حصلت 29 محاولة هجوم أُحبط 22 منها.

 

هذا الواقع دفع إلى طرح تساؤلات عن التبدل في طبيعة عمل الجماعات الإرهابية والتوجس من بداية موجة جديدة من الإرهاب في القارة العجوز بعد كل ما حصل منذ عام 2015 في باريس وما تلاه، لا سيما حادثة الدهس عام 2016 في سوق ميلادي في برلين ثم هجوم زوريخ وهجوم زولينغن وهجوم ميونيخ.

تزايد عدد المتعاطفين مع "داعش"

تفيد التقييمات الأمنية بأن من أسباب تزايد الهجمات الإرهابية حالياً أن تنظيم "داعش"، مع تعرضه خلال السنوات الماضية لضغوط عسكرية شديدة، عاد إلى تجنيد الشباب عبر الشبكات العنكبوتية. وفي السياق أوضح الخبير والباحث في شؤون الإرهاب والتطرف بيتر نيومان، في تصريحات صحافية، أنه بعد انسحاب القوات الغربية من أفغانستان وسوريا، تمكن الإرهابيون من بناء استراتيجيات جديدة، مشيراً إلى عامل ثان دخل على الخط وهو حرب غزة بين إسرائيل و"حماس"، إذ عمدت هذه الجماعات إلى "الترويج وإبداء التعاطف المرتبط بالصراع في الشرق الأوسط والوضع الإنساني هناك، حتى أنها استخدمت الوضع في غزة للدعوة إلى شن هجمات".

 

وبحسب وجهة نظر مكتب الشرطة الاتحادية، ينظر الإسلاميون إلى ألمانيا على أنها تمثل قيماً مثل الديموقراطية وسيادة القانون وهي حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل، وعليه فإنها تمثل هدفاً لتنظيم "داعش" الذي تبنى هجوم زولينغن باعتباره "انتقاماً للمسلمين في فلسطين وفي كل مكان".

 

استراتجية السكين

يبدو واضحاً أن التنظيمات الإرهابية بدلت من استراتيجيتها العملانية بعد هزيمتها عسكرياً، فبعدما كانت تخطط لعمليات معقدة للغاية، تحولت إلى أساليب فعالة إلى الحد الأقصى يمكنها أن تزرع الخوف في أذهان أكبر عدد ممكن من الناس من دون بذل جهد كبير. وفي هذا الإطار، ووفقاً للشرطة الجنائية الفدرالية الألمانية، من الملاحظ أن الهجمات غالباً ما تتم بوسائل إجرامية يسهل الحصول عليها واستخدامها مثل السكاكين، وهذا ما لا يتطلب من المجرمين الكثير من التخطيط واللوجستيات والإعداد الدقيق المسبق للهجوم.

 

وإزاء ذلك، اعتبر نيومان أنه غالباً ما يحدث التطرف في خطوتين: منصات التواصل مثل "تيك توك" مع محاولات هذه الجماعات عزل طرائدها عن المجتمع المنفتح على وجه التحديد، ثم بعد ذلك الاتصال ومحاولات التجنيد المحتملة لشن الهجمات في خدمات المراسلة، مبيناً أن من الصعب تتبع ذلك من الأجهزة المعنية. وأشار إلى أن "داعش" أبلغ أتباعه في الغرب أنه ليس عليهم طلب الإذن عند تنفيذ هجمات ضد أعداء التنظيم، وقد أثبت هذا النموذج نجاحه. 

 

واستناداً إلى ما تقدم، بينت القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي أف"، نقلاً عن الأجهزة الأمنية، أن المنظمات الإرهابية تستهدف الدعاية في مجموعات واسعة من قنوات التواصل الاجتماعي لخلق تأثيراتها على جيل الشباب خاصةً، وهذا ما يزيد من صعوبة اكتشاف التطرف ويصعّب إلقاء القبض عليهم بعد تحولهم إلى متطرفين عبر الإنترنت، لا سيما أنهم يتصرفون من تلقاء أنفسهم، على عكس عمل شبكاتها في أوقات سابقة، وتواصلهم مع مشغليهم بات يتم بشكل أقل، وهم أفراد أقل شهرة وبأغلبيتهم غير معروفين من الاستخبارات الداخلية.

 

الذئاب المنفردة

تفيد التقارير الأمنية الألمانية بأنه عندما تكون هناك معلومات عن تحضير لهجمات كبيرة، فإن الأجهزة المعنية تكون في وضع جيد للرصد والأمن الاستباقي، وهذا ما حصل عند إعلان التنظيم نيته استهداف بطولة كرة القدم الأوروبية الأخيرة، ويعود ذلك إلى أن المركز المشترك لمكافحة الإرهاب الذي تأسس عام 2004 يلعب دوراً رئيسياً، وتتبادل الأجهزة الاستخبارية في كل أنحاء العالم المعلومات وتمرير التحذيرات إلى دول أخرى، ما يسمح باتخاذ تدابير وقائية.

 

وعلى العكس، فإن الصعوبة في تحديد "الجناة المنفردين" ورصدهم تكون أكبر، وعلى سبيل المثال، فإن منفذ هجوم زولينغن لم يكن مصنفاً على أنه يشكل تهديداً إرهابياً. ويشكل فرع "داعش" الذي ينشط أساساً في أفغانستان وأجزاء أخرى من آسيا الوسطى أكبر تهديد لألمانيا وأوروبا حالياً.

وتعود تسمية "الذئب المنفرد" إلى الاستراتيجية التي اتبعها المتطرف الأميركي اليميني لويس بيم، وهو من قدامى المحاربين في فيتنام وعضو سابق في منظمة "كو كلوكس كلان" التي صاغها في التسعينات "بهدف المساهمة في النضال العالمي المفترض من أجل بقاء العرق الأبيض".

 

اللاجئون والجهاد

وعن الجهود التي يجب أن تبذل لمكافحة هذا النوع من العمليات، نقلت وسائل إعلامية عن خبراء أنه في السنوات الثماني الأخيرة كان ثلثا المهاجمين الجهاديين أو الأشخاص الذين اعتُقلوا في ألمانيا بتهمة الإرهاب الجهادي من بين اللاجئين، ولهذا السبب من المهم الآن أن تتشدد السلطات الأمنية أكثر في هذا المجال، مبينة أن المهاجمين أصبحوا أصغر سناً مقارنة بالفئة العمرية التي كانت تنفذ الهجمات خلال السنوات الماضية، وفي كثير من الأحيان لم يبلغوا السن القانونية. 

 

وفي ظل الحديث عن توجيه أصابع الاتهام إلى اللاجئين السوريين، اعتبر منجد، وهو لاجئ سوري مجاز في هندسة الكهرباء وموظف في إحدى الشركات الألمانية، في حديث إلى "النهار العربي"، أن التصويب على اللاجئين فيه الكثير من التجني والتشفي، مشيراً إلى أن الضغوط واليأس والقهر قد تدفع ببعض طالبي اللجوء الشباب إلى التطرف والتورط مع شبكات مشبوهة أو سلوك طرق ملتوية لتحصيل المال. وتحدث عن ظروف قاسية يعيشها اللاجئ، قائلاً إنّه "في كثير من الأحيان يرفض طلب لجوئه ويضطر للاستئناف، وقد يكون عليه المغادرة إلى إحدى الدول الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، حيث يتم أخذ بصماته للمرة الأولى، ناهيك بأنه مطالب بمجرد وصوله إلى ألمانيا بتحويل الأموال إلى عائلته وأطفاله في ظل الوضع الاقتصادي المتردي هناك، في وقت يعيش أساساً في حالة صعبة مع حصوله على إعانة زهيدة من المال، وإذا ما قرر العمل بالأسود ينتابه الخوف والتوجس من التعرض لغرامة مالية كبيرة أو أن يرفض طلب لجوئه ويكون مصيره الترحيل".

 

تجاهل الأخطار يخدم اليمين المتطرف

وحذر الخبير بيتر نيومان من انتقاد الإسلام في سياق النقاشات حول الإرهاب، لافتاً إلى أن 80% من المسلمين في ألمانيا ليسوا لاجئين أو طالبي لجوء وغير معنيين بالنشاط التخريبي. واعتبر رئيس وحدة إبعاد التطرف في ولاية بادن فورتمبرغ ماتيو كوكلين أن إثارة التحيز ضد المسلمين تصب في مصلحة الإرهابيين، لأن الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز العنصري هم أكثر عرضة للتأثر بالديماغوجيين الإسلاميين.

 

ودعا كوكلين السلطات إلى تنظيم أكبر لمنصات التواصل الاجتماعي، وشرح أن هناك أدوات حديثة قادرة على إحداث تأثير وقائي لمكافحة التطرف على الإنترنت، والتدخل بفعالية والاعتماد على أنظمة إنذار مبكر، فضلاً عن اعتماد المزيد من الموظفين المدربين على التعامل مع طالبي اللجوء من أجل التعرف إلى إشارات التطرف في الوقت المناسب. أما نيومان فاعتبر أن تجاهلها لن يستفيد منه سوى اليمين المتطرف في ألمانيا، ليضيف قائلاً إن "محاربة الإرهاب الجهادي ليست قمعاً، بل على العكس من ذلك، فإنك تقدم معروفاً للديموقراطية الليبرالية من خلال ضمان عدم وقوع مثل هذه الهجمات". 

 

27 ألف إسلامي في ألمانيا

ومع بلوغ مجموع التهديدات ذات الدوافع الإسلامية 483 في عام 2023، يُقدّر المكتب الاتحادي لحماية الدستور عدد الإسلاميين المحتملين في ألمانيا بنحو 27 ألف شخص، إلا أن نسبة قليلة منهم تعتبر من مؤيدي المنظمات الإرهابية الجهادية. وبحسب شبكة التحرير الألمانية، فإن مكتب الاستخبارات الداخلية لا يملك أي أرقام دقيقة عن أتباع "داعش" أو "القاعدة" في ألمانيا، مع العلم أنه في آب (أغسطس) 2024 تم تصنيف 472 شخصاً على أنهم يشكلون تهديدات ذات دوافع إسلاموية في البلاد، ومن بين هؤلاء 96 شخصاً في السجون، فيما هناك 208 أشخاص طلقاء و168 آخرون في الخارج. 

 

اقرأ في النهار Premium