النهار

أوروبا تموّل أوكرانيا بفوائد أصول روسيا... فهل هذا قرار حكيم؟
غاندي المهتار
المصدر: النهار العربي
يستعد الاتحاد الأوروبي لمنح أوكرانيا الدفعة الثانية من حزمة القروض الآتية من فوائد الأصول الروسية المجمّدة، بعد 1,5 مليار يورو، وهي دفعة أولى سُلّمت إلى كييف في 26 تموز (يوليو) المنصرم.
أوروبا تموّل أوكرانيا بفوائد أصول روسيا... فهل هذا قرار حكيم؟
الحرب في أوكرانيا.
A+   A-
يستعد الاتحاد الأوروبي لمنح أوكرانيا 40 مليار يورو قبل نهاية العام الجاري، بحسب ما كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية الاثنين، وهي الدفعة الثانية من حزمة القروض الآتية من فوائد الأصول الروسية المجمّدة، بعد 1,5 مليار يورو، وهي دفعة أولى سُلّمت إلى كييف في 26 تموز (يوليو) المنصرم. فحين اجتمع قادة دول مجموعة السبع في بوليا في 14 حزيران (يونيو) الماضي، أصدروا بياناً ختامياً أكّدوا فيه أنهم يقفون "متضامنين في دعم أوكرانيا وسعيها إلى الحرّية وإعادة إعمارها مهما استغرق الأمر، وبحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قرّرنا توفير نحو 50 مليار دولار من فوائد الأصول السيادية الروسية المجمّدة، وإرسال إشارة لا لبس فيها إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفادها أننا نبذل جهودنا الجماعية لوقف تمويل المجمع الصناعي العسكري الروسي". 
 
تصف "فايننشال تايمز" البريطانية هذا القرار بأنه "بديل غير لائق للتمويل الأوروبي لكييف الآتي من جيوب المكلّفين الضريبيين في دول الاتحاد الأوروبي"، بينما يصفه أندرس آشلوند ودانييل فرايد وكورت فولكر في "بوليتيكو" بأنه كان "حلاً وسطاً إبداعياً". فبحسبهم، فضّلت الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وضع اليد على الأصول الروسية كلها، ومبلغها 300 مليار دولار، "مع ذلك، وفي غياب أي إجماع، نال هذا الحلّ موافقة رؤساء الدول والحكومات في قمة السبع الكبار"، فيما كان على الاتحاد الأوروبي أن يتبنى قانوناً ينصّ على تمديد أجل تجميد الأصول السيادية الروسية "إلى أن تدفع موسكو باهظاً ثمن غزوها أوكرانيا".
 
أخطاء تتكرّر
يوافق إيان براود على ما ورد في "بوليتيكو"، ويضيف إن هذا الاقتراح "غير مدروس، يخاطر بتكرار أخطاء مهّدت الطريق إلى اندلاع الحرب في أوكرانيا"، مضيفاً في مقالة نشرها بموقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت": "ينصّ هذا الحلّ على استخدام الفوائد المستحقة على 200 مليار يورو من الأصول الروسية المجمّدة التي تحتفظ بها شركة "يوروكلير" للخدمات المالية في بلجيكا، لسداد حزمة قروض يبلغ إجمالي قيمتها 50 مليار دولار، مقدمة من الدول الأعضاء في مجموعة السبع، لتقدّم هذه القروض إلى أوكرانيا كي تسدّ الفجوة المتزايدة في ميزانيتها العسكرية". وبحسبه، يرقى تشريع تجميد أصول روسيا في ظلّ شروط الأمر الواقع "إلى الاستيلاء على تلك الأصول"، متجاوزاً سقف العقوبات الأوروبية على روسيا.
 
وفي 19 آذار (مارس) 2015، واءم المجلس الأوروبي عقوبات الاتحاد الأوروبي ضدّ روسيا مع اتفاقية مينسك الثانية، بعد خمسة أسابيع فقط من توقيعها، "ولن يتمّ رفع العقوبات الأوروبية ضدّ روسيا إلّا عندما يتمّ تنفيذ النقطة الأخيرة من خطة مينسك الثانية للسلام، والتي كان مقرراً تنفيذها في نهاية عام 2015"، كما تقول "رويترز".
 
عقّد هذا الربط العضوي بين العقوبات الأوروبية وتنفيذ بنود "مينسك الثانية" الأمور، إذ تعذّر رفع أي بند منها، وهذا هو جوهر الفرق بين العقوبات الأوروبية والعقوبات الأميركية على روسيا. والجدير بالذكر أن أحد المسؤولين عن هذا الربط هو دانييل فرايد نفسه، أحد مؤلفي المقالة المنشورة في "بوليتيكو" حين كان منسقاً لسياسة العقوبات في الخارجية الأميركية. وقد اتهمته موسكو حينها بأنه "يوهم العالم بأن هذا الربط يغيّر قواعد اللعبة الروسية في أوكرانيا"، كما جاء في بحث نشره دانكان آلان في موقع "شاتام هاوس" الإلكتروني، إضافة إلى قوله إن "الأقسام السياسية في اتفاقية مينسك الثانية تميل كثيراً لصالح روسيا". 
 
نسياً منسياً... ولكن!
عشية التوغل الروسي في أوكرانيا في 22 شباط (فبراير) 2022، كانت "مينسك الثانية" قد صارت نسياً منسياً منذ 7 أعوام، إلّا أن العقوبات المفروضة على روسيا بقيت قائمة بحسب الشروط المنصوصة في عام 2015. في الواقع، مارست أوكرانيا ضغوطاً قوية لفرض عقوبات "استباقية" على موسكو ، قبل العملية الروسية الخاصة، وفقاً لما كتبه دايفيد هيرزينهورن وهانز فون دير بورشارد في "بوليتيكو" في 16 كانون الأول (ديسمبر) 2021.
 
فهل كان القرار الأوروبي بربط عقوباته ببنود اتفاقية "مينسك الثانية" أحد الأسباب التي دفعت بوتين إلى غزو أوكرانيا؟ إن كان الجواب إيجاباً، يكون قرار "الاستيلاء" على الأصول السيادية الروسية سيئاً، وربما يكون نسخة جديدة من خطأ "مينسك الثانية". فتشديد العقوبات الأوروبية سيدفع روسيا إلى المزيد من التعنّت، خصوصاً أن موسكو تتّهم الغرب 3 تهم: الوقوف وراء التوغّل الأوكراني في كورسك الروسية، والسماح لكييف باستخدام الصواريخ الغربية – والأميركية أيضاً – لضرب أهداف في العمق الروسي، وإجهاض مبادرة للسلام بين روسيا وأوكرانيا في مفاوضات في إسطنبول التركية بعد شهرين فقط من اندلاع الحرب، وهذا ما أكّدته أخيراً فيكتوريا نولاند، الوكيلة السابقة لوزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية. إن إضافة تهمة رابعة، وهي مصادرة أصول روسيّة سيادية مجمدة، ستلغي أي حافز لروسيا كي ترضى بالدخول في أي مفاوضات للسلام في أوكرانيا، خصوصاً بعد التقدّم الميداني في الشرق الأوكراني، والهجوم الروسي المضاد في كورسك.
 
عقوبة مشكوك فيها
إلى ذلك، فرض عقوبة على روسيا "مشكوك فيها قانوناً" قد يهدّد صدقية أسواق المال في الاتحاد الأوروبي، وهذا ما حذّرت منه فاليري هوبرين، الرئيسة التنفيذية في يوروكلير في شباط (فبراير) الماضي، قائلةً إن "مصادرة الأصول السيادية الروسية المجمّدة قد تفتح ’صندوق باندورا‘، وقد توجّه ضربة للأسواق المالية". وهذا ما كرّره الكرملين، قائلاً إن مصادرة الأصول الروسية "ستدقّ مسماراً كبيراً" في نعش الاقتصاد الغربي.
 
وتقدّر "روسيا اليوم" استثمارات الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا وسويسرا في الاقتصاد الروسي بأكثر من 288 مليار دولار، "قد تصادرها روسيا إضافة إلى أصول أخرى إن أقدم الغرب على التصرّف بأصولها". ويمتلك الاتحاد الأوروبي 223,3 مليار دولار من تلك الأصول، منها 98,3 ملياراً لقبرص، و50,1 ملياراً لهولندا و17,3 ملياراً لألمانيا، و16,6 ملياراً لفرنسا، و12,9 ملياراً لإيطاليا.
 
في مجموعة السبع، بريطانيا هي أكبر مستثمر في الاقتصاد الروسي، إذ وصلت قيمة الأصول البريطانية في روسيا إلى 18,9 مليار دولار، تليها الولايات المتحدة بنحو 9,6 مليارات دولار، واليابان بنحو 4,6 مليارات دولار، ثم كندا بنحو 2,9 مليار دولار. كما بلغت استثمارات سويسرا في روسيا 28,5 مليار دولار، والنرويج 139 مليون دولار.
 
من جانب آخر، يقول براود في "ريسبونسيبل ستايتكرافت" إن أوكرانيا ومؤيديها في الغرب لن ينجحوا في إجبار روسيا على دفع التعويضات لأوكرانيا ’من موقع قوة‘، خصوصاً أن موسكو كانت واضحة في أنها ليست مسؤولة عن إعادة إعمار ما هدمته الحرب في مدن أوكرانيا وبلداتها وبناها التحتية.
 
وخلافاً لروسيا، تعجز أوكرانيا عن الاستمرار في الحرب إن لم تتلقَّ دعماً مالياً من الغرب. من هنا يأتي دفاع الاتحاد الأوروبي عن قراره تحرير 50 مليار دولار من فوائد الأصول الروسية المجمدة لصالح كييف، نظراً إلى أن الاقتصادات الأوروبية تواجه مشكلات عدة. وبحسب "أسوشيتد برس"، تأمل الحكومة الألمانية في أن تؤدي حزمة القروض الدولية هذه "إلى تخفيف بعض الضغوط التي ترزح الميزانية الألمانية تحتها بسبب تمويل الدعم العسكري لكييف، ابتداءً من العام المقبل".
 

اقرأ في النهار Premium