النهار

هل يكون الاتحاد الأوروبي حلبة صراع بين كايا كالاس وأورسولا فون دير لاين؟
برلين - شادي عاكوم
المصدر: النهار العربي
ماذا يعني تسمية كايا كالاس، أول أوروبية شرقية، لتسلم أحد أهم المناصب الثلاثة في بروكسل؟
هل يكون الاتحاد الأوروبي حلبة صراع بين كايا كالاس وأورسولا فون دير لاين؟
الممثلة الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس (ا ف ب)
A+   A-

قدمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أخيراً طاقم عمل مفوضيتها الجديدة وبرنامجه لولايتها الممتدة خمس سنوات مقبلة، والتي سيتم التركيز فيها على مجالات الرخاء والأمن والديموقراطية والمناخ والتحول الرقمي، باعتمادها على 27 مفوضاً بينهم 11 امرأة.

 

وانشغلت أوروبا باسم رئيسة الوزراء الإستونية السابقة كايا كالاس (47 عاماً) التي تم التوافق على توليها منصب الممثلة الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، بحكم أنها مطلوبة بموجب مذكرة اعتقال روسية بعدما أمرت بهدم النصب التذكارية للحرب السوفياتية في بلادها.

ماذا يعني تسمية كالاس، أول أوروبية شرقية، لتسلم أحد أهم المناصب الثلاثة في بروكسل؟

إشارة ردع لروسيا والصين

في وقت يتراجع فيه الدعم لأوكرانيا، ويصافح المجري فيكتور أوربان، الرئيس الدوري للمجلس الأوروبي، صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، بيّنت قراءات سياسية أن التوافق على اسم كالاس سيعزز دور الاتحاد الأوروبي بشكل كبير، وستكون قيمة مضافة للتكتل أمام العالم الخارجي للتحدث بصوت واحد، اعتباراً من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وإيلاء المزيد من الاهتمام للأمن الأوروبي.

 

إضافة إلى ذلك، ستكون سنداً قوياً للأمين العام لحلف "الناتو"، وسيمنح حضورها الاتحاد وزناً جديداً، وهي المؤيدة لتطلعات كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والتكتل الأوروبي.

 

وبحكم أن روسيا تندد دائماً بالمواقف السياسية لكالاس، الملقبة بـ"المرأة الحديدية" في إستونيا، قال الباحث في الشؤون الأوروبية تيمو دوفيل لـ"النهار العربي" إن تعيين كالاس "رسالة واضحة لبوتين، وستكون إشارة ردع سياسي لروسيا، لأنها لم تحذر دائماً من طموحات موسكو وحربها الهجينة ضد أوروبا فحسب، بل كانت أيضاً في طليعة من دعا لصدها".

روسيا الاستعمارية

وفي هذا الإطار، تفيد التعليقات بأن كالاس التي درست القانون والمتزوجة للمرة الثانية والأم لثلاثة أطفال، وتحولت في عام 2010 إلى العمل السياسي بانضمامها إلى حزب الإصلاح الليبرالي الإستوني الذي أسسه والدها في عام 1994، لا تريد تقديم أي تنازلات للكرملين، وتعوّل على سلام الانتصار لمصلحة أوكرانيا، وهذا ما يضيّق المجال لأي شكل من أشكال الدبلوماسية. وهي شددت أخيراً، خلال قمة أوكرانيا في سويسرا، على أن روسيا قوة استعمارية، على الرغم من أنه نادراً ما يُنظر إليها على هذا النحو، مذكرة بترحيل والدتها إلى سيبيريا في شاحنة ماشية خلال الحقبة السوفياتية عندما كانت طفلة. وخلصت إلى أن السلام بشروط روسيا مرادف للفظائع الجماعية والقمع والاستعمار.

 

وعن طبيعة الدور الذي يمكن أن تؤديه في العلاقات عبر الأطلسي، يقول دوفيل: "إذا استعاد الجمهوريون البيت الأبيض، فسيتطلب الأمر الكثير من الثقة بالنفس للوقوف في وجه المتنمرين السياسيين، أمثال ترامب ونائبه فانس". وهنا، لا يقلل دوفيل من مهارات كالاس التي أثبتت بالفعل أنها لا تخشى المواجهة، ويذكّر بما قالته بعد صدور مذكرة الاعتقال بحقها: "لا بد أنني فعلت شيئاً صحيحاً إذا كان الروس غاضبين مني إلى هذا الحد".

 

وفي موازة ذلك، تروّج كالاس لفرض عقوبات على الصين بشأن قضية تايوان. يقول موقع "دير فرايتاغ": "هناك ورقة استراتيجية في الاتحاد الأوروبي صادرة عن أحد مراكز الأبحاث التابعة للتكتل، تقول إنها تقف بحزم إلى جانب الولايات المتحدة. ووفق المعلومات، تنوي إجراء مفاوضات مع حكومات ألمانيا وفرنسا وهولندا بشأن السياسة المستقبلية لدعم تايوان، التي لا يعترف بها الاتحاد الأوروبي. وفي ما خص الصراع في الشرق الأوسط، لم تصرح كالاس علناً، لكن مراقبين يقولون إنها "ستكون أكثر توازناً من سلفها جوزيب بوريل، المعروف بقربه من الفلسطينيين".


تعزيز دور دول البلطيق

تفيد التحليلات بأن نتاج حرب أوكرانيا تؤثر في بنية مفوضية الاتحاد الأوروبي. فسيتم الاعتماد في الفريق الجديد على 3 مفوضين من دول متشددة ضد روسيا، بينهم مفوض الدفاع الليتواني أندريوس كوبيليوس، الذي سيكون هدفه ضمان زيادة القدرات الإنتاجية لصناعات الدفاع في أوروبا، وتطوير مفهوم أوروبي مشترك لهذا الغرض، والمفوضة الفنلندية هينا فريكونس التي ستكون مسؤولة عن التكنولوجيا والسيادة والأمن والديموقراطية، وتشمل محفظة عملها الدفاع ضد الهجمات الإلكترونية الروسية وحملات التضليل والأمن الرقمي عامةً.

 

في سياق ما تقدم، تقول الخبيرة الأمنية مينا أولاندر، من المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، لـ"إبين ميديا"، إن فريق المفوضية الجديد يؤكد أن دول البلطيق كانت على حق بشأن دور روسيا العدواني، مشيرة إلى أن كادر المفوضين في ولاية فون دير لاين الأولى كان جيوسياسياً، وتحولت تركيبته حالياً إلى أمنية – دفاعية.

 

تضيف أولاندر: "على مفوض الدفاع أن يقدم مع كالاس، صاحبة فكرة صندوق الدفاع الأوروبي، وفي غضون 100 يوم من بدء الولاية الجديدة للمفوضية، إطاراً لمفهومٍ دفاعي جديد، وأن يحدد الاحتياجات الاستثمارية اللازمة للدفاع الأوروبي".

 

وتحث كالاس دول التكتل على زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 3% من ناتجها المحلي الإجمالي.

مهارات قيادية...

تقول صحيفة "برلينر مورغن تسايتونغ" إنه ليس سهلاً أن تتمكن فون دير لاين من تهميش كالاس الطموحة والواعدة سياسياً، والتي تتميز بالشجاعة، مثلما فعلت مع بوريل. من جهة أخرى، وعلى الرغم من أنها تتحدر من بلد يقع في شمال شرق أوروبا، عدد سكانه أقل من عدد سكان ميونخ الألمانية وفيينا النمساوية، فإنها تحظى بالتقدير في بروكسل، لا سيما أنها تولت رئاسة حكومة بلادها 3 سنوات، وكانت عضواً في البرلمان الأوروبي 4 سنوات، وتُعد من الجيل الشاب صاحب الطروحات المستقبلية للاتحاد، ومن السياسيين المتواضعين والواقعيين. وهي ستمنح السياسة الخارجية الأوروبية زخماً جديداً، لا سيما أن بوريل لم يكن يحظى بشعبية كبيرة في أروقة بروكسل، ويقال إنه كان متعجرفاً، علماً أنها خسرت القليل من سمعتها الطيبة في بلادها بعدما تبين أن زوجها كان يملك أسهماً في شركة نقل تتعامل مع روسيا.

 

وفي خضم ذلك، يبدو واضحاً أن اعتلاءها هذا المنصب يزرع شعوراً في نفوس العديد من مواطني أوروبا الشرقية الوسطى وأوروبا الشمالية بأنهم ممثلون في المراكز الثلاثة الأولى في المفوضية.

 

تقاليد عائلية

إلى ذلك، انتقال كالاس التي تهوى رياضتي الغولف والتزلج إلى بروكسل يخوّلها الجمع بين تقاليدها العائلية وأفكارها السياسية، ما يجعلها أكثر انسجاماً مع المكوّن الأوروبي بأسره، خصوصاً أن والدها كان أول مفوض إستوني في الاتحاد الأوروبي، وبقي في منصبه 10 سنوات.

في المحصلة، ومع الموثوقية الظاهرة أوروبياً بقدرات كالاس لبناء التوافقات بين وزراء خارجية دول الكتل بفعل مشاركاتها في لجان مختلفة في البرلمان الأوروبي، بينها التكنولوجيا والطاقة والسياسة الخارجية، يُفيد مطلعون بأن أحد التحديات التي ستواجهها كالاس وهي تستعد لاستجوابها أمام لجنة مختصة في البرلمان الأوروبي، هو إثبات صدقيتها في ممارسة النفوذ الدبلوماسي لبروكسل في مناطق أخرى من العالم، مثل أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، وكيفية تحديد موقف التكتل بشأن الصراع في قطاع غزة والأوضاع غير المستقرة في مناطق الساحل الأفريقي.

اقرأ في النهار Premium