خاض، اليوم الأحد، حوالي مليوني ناخب في ولاية براندنبورغ الألمانية انتخابات برلمانية ولائية، تتنافس فيها الأحزاب التقليدية مع الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" الذي يحل ثانياً (26%) بفارق بسيط عن المتصدر "الاشتراكي الديموقراطي" (27%) حاكم الولاية منذ زمن وضمن ائتلاف حكومي.
وتكتسب الانتخابات الولائية في هذه الدورة أهمية خاصة مع التقدم الذي يحرزه "البديل" في شرق البلاد، فضلاً عن الدعم الذي يقدمه للحزب اليميني المتطرف الملياردير الأميركي إيلون ماسك صاحب شركة السيارات الكهربائية الأميركية "تسلا" الذي عمد قبل أقل من خمس سنوات إلى بناء مصنع في منطقة غرونهايده التابعة لولاية براندنبورغ، وأصبحت شركته تمثل رمزاً لآمال الكثيرين هناك، في وقت انكمش الاقتصاد ككل في ألمانيا ونما في الولاية المذكورة. حتى أن غرفة التجارة والصناعة هناك، وبعد مسح اقتصادي أجرته في وقت سابق وجدت أن "تسلا" تحقق نجاحاً باهراً. ويعمل في المصنع حالياً نحو 12 ألف شخص وسددت الشركة للبلدية حوالي 600 مليون يورو ضريبة تجارية.
التحيز السياسي لماسك وضع "الاشتراكي" في موقف صعب، لا سيما أنه يتناقض مع القيم التي ينادي بها الأخير في حملته الانتخابية، وهذا ما دفع بمرشحه ديتمار فويدكه إلى الإعلان صراحة بأن هذه الانتخابات مصيرية، مع العلم، أن "البديل" نصّب نفسه في أوقات سابقة مناضلاً من أجل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وكذلك شركات صناعة السيارات الألمانية وضد "تسلا" مع الجمعيات البيئية معارضاً خطة التوسع المقررة للمصنع في غرونهايده.
الخبير في مجال التسويق والاستقطاب على الشبكات ووسائل التواصل ديرك شوينمان رأى أن ماسك، الداعم لدونالد ترامب في أميركا، بات لاعباً مهماً في الانتخابات الأوروبية ويبدي في الآونة الأخيرة تعاطفه مع الحركات اليمينية المتطرفة، وبخاصة بعد النتائج التي حققتها الأخيرة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية في حزيران (يونيو) الماضي وأظهرت تقدماً ملحوظاً لـ"البديل"، مشيراً إلى أن من الطبيعي أن تؤثر مواقفه على بعض الناخبين العاملين في شركته "تسلا"، وبالتالي التصويت للحزب اليميني المتطرف.
ووفق ما بينت تعليقات خبراء، فإن ماسك الذي يمتلك منصة التواصل الاجتماعي "إكس" ينشر تكراراً معلومات مضللة وادعاءات كاذبة، ووصل به الأمر عندما اندلعت الاضطرابات وأعمال الشغب العنصرية في بريطانيا في آب (أغسطس) الماضي إلى التغريد "إن الحرب الأهلية كان لا مفر منها".
هذه المواقف لم يستسغها وزير الاقتصاد في ولاية براندبورغ يورغ شتاينباخ الذي أعرب في حديث إلى صحيفة "هاندلسبلات" أخيراً عن اعتقاده أن تصريحات ماسك ليست خاطئة فحسب، بل إنها تقوض بفعالية نسيج المجتمع الألماني والأوروبي، مشدداً على أن براندنبورغ ولاية فيدرالية منفتحة ومتسامحة ولا مكان فيها لمعاداة السامية والعنصرية وخطاب الكراهية ومطالباً بالالتزام الواضح بالقيم في الشركات، لا سيما أنه يعمل في مصنع "تسلا" أشخاص من 50 جنسية مختلفة.
وفي وقت دعت الزعيمة المشاركة لـ"البديل" أليس فايدل خلال الأسابيع الماضية ماسك إلى زيارة ألمانيا، قال الباحث في شؤون التطرف في جماعة دريسدن مانيس فايسكيرشر لصحيفة "برلينر مورغن اليوم"، إن ماسك ساعد في جذب الاهتمام إلى برنامج حزب "البديل" اليميني المتطرف، موضحاً أن هناك "تقارباً أيديولوجياً بين الطرفين. وهذا يتكون من المواقف المناهضة للهجرة، ومن الرفض المشترك للسياسة الاجتماعية الليبرالية اليسارية"، فضلاً عن أنه يريد أن يجعل كتاباته على منصته "إكس" جذابة للممثلين من أقصى اليمين.
ورأت نيكول رينفرت الخبيرة في مركز الدراسات الأمنية والاستراتيجية التكاملية المتقدمة في جامعة بون الألمانية والتي تراقب تصرفات ماسك، أن الأخير، على رغم كونه رجل أعمال في المقام الأول، إلا أنه يشارك ويعبر عن مواقفه السياسية، حتى أنه يروّج لأطراف بعينها، ويحذر في مواقفه مثلاً من تزايد عدد المهاجرين في أميركا والذين قد يهيمنون على العرق الأبيض، رغم أنه يدرك الفرق بين الهجرة غير المنضبطة وتدفق العمال المهرة، معربة عن اعتقادها أن ماسك لن يشعر بخيبة أمل على الأقل من نتائج انتخابات براندنبورغ.
واستناداً إلى ما سبق، برزت تساؤلات عما إذا كان ماسك سيكون سعيداً بفوز "البديل"، لا سيما أن قادة الحزب اليميني المتطرف، وبينهم المتطرف بيورن هوكه، يحتفلون بتصريحاته الشعبوية. ودافع ماسك خلال الفترة الماضية عن السياسية في حزب "البديل" ماري تيريز كايزر التي أدينت بالتحريض على الفتنة، وتساءل وقتها: لماذا يتفاعل بعض الناس بهذه السلبية مع "البديل"؟
تجدر الإشارة إلى أن حكومة الائتلاف في الولاية بزعامة الاشتراكي الديموقراطي ديتمار فويدكه تلقت انتقادات من السكان في ما خص الانتهاكات البيئية وتلوث المياه هناك، ووصفت الادعاءات حينها بتقديم "معاملة خاصة" لـ"تسلا" بأنها "محض هراء"، وحرصاً على ترتيب أوضاعها أعلنت "تسلا" أنها ستفرض المزيد من الضوابط على أعمالها وتوسيع الإجراءات الصحية والبيئية.