أعرب المستشار الألماني أولاف شولتس، في حوار إعلامي أخيراً، عن اعتقاده أن بالإمكان استخدام دينامية جديدة لوقف الحرب في أوكرانيا. فماذا عن التوقيت ونيات شولتس الذي يشارك حالياً في اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك للمضي بخطوته، في ظل تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة للغرب وإمكان الحصول على ضمانات أمنية من روسيا توازياً مع توجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتقديم "خطة النصر" واعتباره أن لا بديل للسلام بين الطرفين؟
بين النيات والتوقيت
رأى الخبير الأمني فرانك زاور في حوار مع القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي أف"، أن توقيت طرح شولتس التفاوض مع الروس ووقف الحرب في أوكرانيا يطرح العديد من علامات الاستفهام، لا سيما أن تحديد شروط المفاوضات في ساحة المعركة مرير، وأن إنهاء الحرب لا يعني سلاماً مستقراً ومستداماً، معتبراً "أننا أمام حلقة من النقاشات الوهمية الغريبة التي أشعلها المستشار شولتس في حواره بخصوص السلام في أوكرانيا".
وأضاف الخبير زاور: "لا أريد التقليل من التوقعات وقد نشهد قريباً مؤتمراً تشارك فيه روسيا، لكن باختصار، بقدر ما أرغب في توقف أصوات المدافع على الفور، أعتقد أن من غير المرجح أن نشهد وضعاً مختلفاً تماماً بحلول نهاية العام، أي أن الفرصة ضئيلة لإجراء مفاوضات مبكرة".
وعن تقييمه للأهداف الكامنة وراء الهجوم الأوكراني على كورسك الروسية، شدد زاور على أنه "علينا أن نفهم الخطوة فهماً أقل من الناحية العسكرية وأكثر من الناحية السياسية"، لافتاً إلى أنه "تم التخطيط لها تحت ضغط الوقت، وبنيّة عمل يائس ذي دوافع سياسية في المقام الأول. ومن الناحية العسكرية كان هناك هدفان: أحدهما كان إجبار روسيا على سحب قواتها من دونباس، وهذا لن ينجح، وكانت هناك عمليات نقل فقط للقوات من منطقة إلى أخرى. أما الهدف الثاني فكان إنشاء منطقة عازلة بحيث لا يمكن قصف البلدات الواقعة على الجانب الأوكراني التي كانت في مرمى المدفعية الروسية، وكان ذلك ناجحاً، وأفترض أن الهجمات الروسية المضادة التي بدأتها روسيا ستضع الوقت الأوكرانية في كورسك تحت ضغط كبير عاجلاً أو آجلاً".
إلى ذلك، وفي حديث لـ"النهار العربي" عن الاندفاعة المفاجئة لشولتس، رأى الباحث السياسي كاي مورشلات أن جهود شولتس الباحث عن السلام "تعد فاقدة المضمون" لأن الصيغة التي اقترحها بعقد مؤتمر يضم روسيا غير مناسبة، حتى لو كان بوتين قد لمّح إلى استعداده للتفاوض وفق أطر معينة، معتبراً أن مؤتمراً واحداً "لن يحقق السلام"، والأمر سوف يتطلب مفاوضات طويلة وصعبة تشمل القوى الجيوسياسية ذات الوزن الثقيل مثل الصين والولايات المتحدة الداعم الأكبر لأوكرانيا، وزيلينسكي سيستمر في الحديث عن مؤتمرات سلام لاعتقاده أنها الطريقة الوحيدة لإبقاء الغرب إلى جانب كييف.
ومن زاوية أخرى، وعلى المستوى الداخلي الألماني، يهدف كلام شولتس، بحسب قول مورشلات، إلى ضمان عدم خسارة حزبه الاشتراكي وأطراف ائتلافه الحكومي مؤيديهم لمصلحة أحزاب اليسار الشعبوي واليمين المتطرف الذي يتقدم تقدماً ملحوظاً في استطلاعات الرأي، في حين يطالب الشعبويون بوقف استنزاف الخزينة وحرمان أوكرانيا من الدعم.
وبيّنت تعليقات أن المستشار قد يستمد "اللحظة المقبلة" من حقيقة أن أوكرانيا في محنة كبيرة بسبب نقص الأسلحة والذخيرة على جبهة دونباس والقصف الجوي الروسي التوسعي ضد السكان والبنية التحتية والتدفئة والكهرباء والمياه.
وفي رد مبدئي، اعتبر الجنرال المتقاعد وأستاذ مادة التاريخ المعاصر في جامعة "بوتسدام" كلاوس فيتمان، في مقال في "دي فيلت"، أن "روسيا لا تأخذ ألمانيا كوسيط على محمل الجد، ناهيك أن بوتين غير مستعد للتنازل عن هدفه المتمثل في إسقاط مناطق أوكرانية وضمها إلى الاتحاد الروسي"، لافتاً إلى أن وقف إطلاق النار الآن أو حتى "تجميد" الحرب "لن يؤدي إلا إلى وضع مماثل لاتفاقية مينسك ثانية، وبالتالي سنكون بعدها أمام وضعية غير مرضية ولا تحقق الأمان للشعب الأوكراني، وإذا ما انتصر بوتين فإن الثمن السياسي والمالي الذي يتعين على ألمانيا وأوروبا دفعه سيكون أكبر من كل تكاليف الدعم لأوكرانيا اليوم وفي المستقبل".
وخلص إلى أن اللحظة ليست للمفاوضات بل لاتخاذ قرارات جريئة بشأن تسليم الأسلحة البعيدة المدى ورفع القيود المفروضة على استخدامها من قبل العديد من الدول الأعضاء في "الناتو" والمترددين للغاية، وبخاصة ألمانيا "القوة الرائدة" أوروبياً.
خطة زيلينسكي
وعن فرص نجاح "خطة النصر" التي يفترض فيها زيلينسكي صنع سلام كامل بأفضل الشروط الممكنة في الخريف مع روسيا بالتعاون مع الحلفاء الاستراتيجيين الغربيين، نقلت صحيفة "كييف أندبندنت" أخيراً عن ويليام تايلور، نائب رئيس معهد السلام الأميركي لأوروبا والسفير الأميركي الأسبق في أوكرانيا، أن من الواضح أن الرئيس الأوكراني "يعمد للاستفادة من عملية كورسك الناجحة"، ووجد أنه يتعين عليه "التحرك بسرعة قبل أن تفوق خسائر أوكرانيا ما حققته عملية كورسك"، ناهيك بأنه يريد الاستفادة من الظروف الجيدة لمصلحته في الولايات المتحدة، وقد يكون بإمكانه حث الرئيس بايدن على اتخاذ قرارات مهمة قبل أن يترك منصبه. ومن جهة أخرى، هناك من يعتبر أن الخطة قد تكون محدودة زمنياً لتجنب العواقب المحتملة لولاية ترامب الثانية. وقال زيلينسكي في خطاب ألقاه أخيراً إنه لا يوجد ولا يمكن أن يكون هناك بديل للسلام، ولا تجميد للحرب أو أي تلاعبات أخرى من شأنها أن تأخذ العدوان الروسي إلى مستوى جديد.
ومن منطلق أنه إذا أردت أن يكون لديك رأي في المناقشات فعليك أن تتقدم باقتراحات، اعتبر الباحث السياسي والمحلل العسكري في المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية في برلين غوستاف غروسل، في مقابلة مع شبكة "إيه أر دي الإخبارية"، أن تفاصيل الخطة لا تزال طي الكتمان، مرجحاً أن تكون لدى كييف خشية من أن تتراجع اهتمامات الغرب بأوكرانيا، ففي ألمانيا تتم النقاشات بخصوص الموازنة وتقليص النفقات، وفرنسا تشهد مرحلة سياسية صعبة والانتخابات الأميركية مبهمة النتائج، وربما قد يجبر ترامب في حال عودته إلى البيت الأبيض زيلينسكي على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بين ليلة وضحاها بشروط يمليها بوتين.
ومن وجهة النظر العسكرية، أشار غروسل إلى أنه سيكون من المهم ألا يكون لدى روسيا أي احتمال لتحقيق النصر، ومن الضروري زيادة الضغط على قواتها في أوكرانيا ووضعها أمام خشية من خسارة الحرب. من جهة أخرى، قد يكون هناك احتمال لأن يوافق بايدن، ولتحسين "إرثه" السياسي، أن يمنح الإذن لأوكرانيا باستخدام الأسلحة بعيدة المدى في العمق الروسي أو أن يتخلى عن موقف بلاده المتصلب مع برلين بانضمام كييف إلى "الناتو"، والذي سيمنحها ضمانة حقيقية ورادعاً دبلوماسياً ضد موسكو. وأمام كل ذلك تبقى الأسئلة مفتوحة عما إذا كانت مهمة زيلينسكي ستتلخص في إقناع الغرب بتبني نهج استراتيجي يضمن لها السلام الدائم.