شكلت الهزائم المتتالية في الانتخابات البرلمانية الولائية في ثلاث ولايات شرق ألمانيا لحزبي "الخضر" و"الليبرالي الحر" ضربة للائتلاف الحاكم الذي يقوده الحزب "الاشتراكي الديموقراطي"، وكان آخرها قبل أيام في ولاية براندنبورغ، حيث لم يتمكن "الخضر" من اجتياز نسبة الخمسة في المئة المطلوبة ونال فقط 4,1% من الأصوات، فيما حصل "الليبرالي الحر" على أقل من 1% من الأصوات. هذه النتائج الضعيفة دفعت أحزاب المعارضة إلى المطالبة بإجراء انتخابات برلمانية عامة مبكرة، معتبرة أن التحالف الحكومي وصل إلى خط النهاية. فهل باتت حكومة أولاف شولتس قاب قوسين أو أدنى من الانهيار؟
ووسط الجدل المحتدم والقبول مبدئياً بالبقاء في الحكومة برغم الخسارة الشعبية، شكك نائب زعيم "الليبرالي الحر" فولفغانغ كوبيكي في حديث إعلامي في صمود التحالف الحاكم القائم، معرباً عن اعتقاده أنه في ظل الأداء الحالي لن يبقى هذا الائتلاف إلى فترة عيد الميلاد، وداعياً وزراء حزبه إلى الانسحاب من الحكومة الفدرالية، فيما أعلنت قيادة حزب "الخضر" استقالة المجلس التنفيذي بكامله، لفسح المجال لانطلاقة جديدة للحزب البيئي بعدما أصبح بعد انتخابات براندنبورغ خارج ثاني برلمان ولائي بعد تورينغن. وتحدث الزعيم المشارك للخضر أوميد نوريبور عن الهزيمة المريرة في شرق ألمانيا، معرباً عن استيائه من حالة الائتلاف الحاكم، ومعترفاً بأن نتيجة الانتخابات في الولاية المذكورة هي شهادة على "أعمق أزمة يواجهها حزبنا منذ عقد من الزمن". وسيبقى المجلس التنفيذي في منصبه حتى إجراء الانتخابات الجديدة في المؤتمر الحزبي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وخسر "الخضر" منذ بداية 2023 المشاركة في حكومات خمس ولايات.
ضغط أحزاب المعارضة
ومع تعثر أطراف الائتلاف الحاكم دعت أحزاب المعارضة إلى فرط عقد الحكومة الفدرالية، وقال زعيم كتلة الحزب "الاجتماعي المسيحي" البافاري المعارض ألكسندر دوبراندت إن استقالة قيادة "الخضر" تعتبر بمثابة علامة تحذير إلى "تحالف إشارات المرور" الحاكم بأكمله، فيما اعتبرت الزعيمة المشاركة لحزب "البديل" اليميني الشعبوي أليس فايدل، أنها بداية النهاية للحكومة بقيادة الاشتراكي وأن ألمانيا بحاجة لانتخابات جديدة.
ورأت سارة فاغنكنشت، زعيمة التحالف اليساري الذي يحمل اسمها، أن "خطوة المجلس التنفيذي للخضر تستحق الاحترام، لكننا نواجه اليوم ثقافة عدم المسؤولية السياسية والتشبث بالمناصب بغض النظر عن سوء الأداء".
أما المدير التنفيذي لكتلة الحزب "المسيحي الديموقراطي"، أكبر أحزاب المعارضة في البوندستاغ تورستن، فرأى في حديث صحافي أن التحالف الحاكم "يتفتت أمام الكاميرات"، مطالباً وزراء "الخضر" بالاستقالة "بعدما أصبحوا رمزاً للسياسة الاقتصادية والهجرة الفاسدة، ولا يمكنهم البقاء في مناصبهم".
في المقابل، قالت وزيرة الخارجية المنتمية إلى "الخضر" أنالينا باربوك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: "علينا استعادة ثقة الناس بالسياسة، وتحمل المسؤولية تجاه البلد وأن نسأل أنفسنا: ما الذي يمكننا وما يجب علينا فعله بشكل مختلف؟".
ورغم أن "الاشتراكي الديموقراطي" فاز بفارق طفيف جداً في انتخابات براندنبورغ بفعل الطفرة التي حققها مرشحه رئيس وزراء الولاية ديتمار فويدكه في الأمتار الأخيرة، أظهر آخر استطلاع لمعهد "أنسا" أن الائتلاف الحاكم يفقد شعبيته من أسبوع إلى آخر، وتفيد الأرقام بأن "الليبرالي الحر" لم يعد ينل سوى 3,5% من الأصوات، وبالتالي لن يتمكن من العودة مجدداً إلى البوندستاغ عام 2025، فيما لم يحظ "الخضر" سوى بـ9,5 % من الأصوات، وهذا أكبر تراجع للحزب البيئي منذ 7 سنوات، أما أكبر شريك في الائتلاف، "الاشتراكي الديموقراطي"، فنال فقط 15,5% من الأصوات. وكل ذلك يؤشر إلى أن الحكومة الفدرالية لم تعد تحظى بالشعبية للاستمرار في الحكم، فيما تستفيد الأحزاب المتطرفة، وبينها "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف و"تحالف سارة فاغنكنشت" المصنف يسارياً شعبوياً.
مرحلة مفصلية
وعلى رغم قول المتحدث باسم الحكومة ستيفن هيبشترايت إنه لا يتوقع أي تداعيات على "تحالف إشارات المرور"، وإن استقالة قيادة "الخضر" لن يكون لها أي تأثير على عمل التحالف، أعرب الباحث السياسي أوفه لودفيغ في حديث إلى "النهار العربي"، عن اعتقاده أن يكون شهر تشرين الثاني المقبل مفصلياً للحكومة الفدرالية واختباراً حاسماً لها، لا سيما أنه ستتم مناقشة الموازنة الفدرالية لعام 2025.
ومن وجهة نظر لودفيغ، إذا استطاعت الحكومة تمرير الموازنة والتوافق على إطار العمل في ملف الهجرة وتعزيز الاقتصاد من دون تعطيل، يمكن أن تكون هناك فرصة لرأب الصدع، وبالتالي تتحول النقمة إلى نعمة ويصمد التحالف حتى موعد الانتخابات العامة المقررة في خريف 2025.
وكان زعيم "الليبرالي الحر" وزير المالية كريستيان ليندنر قد قال إن "الناس سئمت حقيقة أن هذه الدولة فقدت السيطرة على الهجرة واللجوء ونريد تغييرات في هذا المجال، كما في السياسة الاقتصادية والأمن والتعليم والاستثمار في البنية التحتية، وبما يخفف الأعباء عن المواطنين"، لافتاً إلى أنه سيتم قياس بقاء التحالف على أساس التوافق على حل القضايا الإشكالية ولإثارة ديناميكية جديدة.
وفي موازاة ذلك، اعتبر مراقبون أنه مع النتائج الكارثية للانتخابات الولائية على الأحزاب التقليدية، بات على الأخيرة تغيير استراتيجيتها والتقاط زمام المبادرة مجدداً أمام اليمين المتطرف واليسار الشعبوي، وبعدما تبين أن شركاء الائتلاف يسرقون أصوات بعضهم بعضاً، ما يجعل تشكيل أي ائتلاف حكومي في الولايات أكثر صعوبة.