بعد أن حلّ الظلام في طهران يوم السبت، التقط القائد العام لـ"الحرس الثوري" الإيراني الهاتف وأصدر أمراً ببدء عملية "الوعد الصادق"، الاسم الذي أطلق على الهجوم الإيراني الجوي غير المسبوق على الدولة اليهودية، وفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز".
تلا اللواء حسين سلامي الآية القرآنية "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم" ثم ذكر أسماء كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين الذين يسعى "الحرس الثوري" الإيراني للانتقام لمقتلهم في غارة جوية يرجّح أنها إسرائيلية في الأول من نيسان (أبريل) في دمشق.
وفي غضون دقائق، بدأ الهجوم.
انطلق سرب من المسيرات في رحلة جوية امتدت حوالي 2000 كيلومتر واستغرقت ساعات كي تصل إسرائيل، وسرعان ما تبعها إطلاق صواريخ.
كانت هذه أول مواجهة مباشرة بين الخصمين اللدودين في حرب الظل التي دامت عقوداً من الزمن والتي تخللها اغتيالات إسرائيلية و"محور المقاومة" الإيراني الذي جلب ميليشياته بالوكالة والجنود الإيرانيين إلى حدود إسرائيل.
مع الهجوم الإيراني، الذي سرعان ما أحبطته الدفاعات الجوية الإسرائيلية المتطورة، انفجر هذا الصراع ولم يعد في الظل.
هرع البعض في طهران إلى محطات الوقود ومحلات البقالة والبعض الآخر إلى ميدان فلسطين ملتحفين بالأعلام الإيرانية.
في أصفهان، هلل الناس بينما كانت الصواريخ تحلق فوق قبر محمد رضا زاهدي، الجنرال الذي قُتل في المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق في الغارة الجوية التي لم تتبنها إسرائيل علنا.
وفي واشنطن، كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد قطع بالفعل إجازته يوم السبت وعاد إلى البيت الأبيض، قلقًا من أن تكون هذه مجرد الضربة الأولى في حرب شاملة بين إسرائيل وإيران.
وفي إسرائيل، حيث كان الهجوم متوقعاً منذ فترة طويلة، أقلعت طائرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، "جناح صهيون" بحثاً عن الأمان من قاعدة نيفاتيم الجوية مع اقتراب الصواريخ. وفي الوقت نفسه تقريبًا، تم نشر العشرات من الطائرات المقاتلة والأنظمة الدفاعية لصد الهجوم، وليس فقط مقاتلات اسلرائيلية، بل بريطانية وأردنية وأميركية أيضاً.
في الساعة الثامنة مساء بالتوقيت المحلي، شاهد الجيران موكب نتنياهو مسرعاً من منزل صديق ملياردير في القدس – يقال إنه يضم ملجأ مضاداً للصواريخ، حيث أمضى رئيس الوزراء الإسرائيلي وزوجته يوم السبت.
وما تلا ذلك كان الاستعراض على وسائل التواصل الاجتماعي، ربما كما أرادت إيران تماماً. في جميع أنحاء العراق والأردن ولبنان، أضاء عرض مروع من الطائرات بدون طيار سماء الليل، وهلل البعض لحمولاتها القاتلة، بما في ذلك في بيروت، حيث توقف المحتفلون في ملهى ليلي عن الرقص لفترة وجيزة لمشاهدة خط مقذوف في السماء.
وقالت هولي داجرس، وهي زميلة بارزة في المجلس الأطلسي، إن ما كانت تعتمد عليه طهران، كان استعراضًا للقوة مرئيًا للجميع، مضيفة: "في نظر المؤسسة الدينية، كانت هذه المهمة ناجحة لأنهم كانوا قادرين على ضرب إسرائيل مباشرة من الأراضي الإيرانية(و) إثبات أنه (على الرغم من) طائراتها المقاتلة التي تعود إلى عهد الشاه إلا أنها أصبحت الآن تتمتع بالسيطرة على السماء."
وبينما بدأت الطائرات بدون طيار رحلتها التي تستغرق ساعات، كان الإسرائيليون يتجمعون في منازلهم، ويقيمون بالقرب من الملاجئ. وبعد ستة أشهر من الحرب في غزة، بدأت تتفشى روح الدعابة. وقال أحدهم مازحاً: "أول رحلات جوية مباشرة من إيران إلى إسرائيل منذ 1979"، في إشارة إلى عام الثورة الإيرانية.
لكن الفكاهة كانت تخفي خوفاً وجودياً بنى حوله نتنياهو مسيرته السياسية على مدى العقد الماضي: وهو أن الحرب الشاملة مع إيران أصبحت أمراً لا مفر منه.
وحتى الآن، نجت إسرائيل سالمة تماماً تقريباً من الهجوم الإيراني، أصيب طفل بشظايا، ولحقت أضرار طفيفة بقاعدة عسكرية وتمكن عدد قليل من الصواريخ من اختراق المجال الجوي الإسرائيلي – ويبدو أن ردها سيقرر ما إذا كانت هذه ستظل جولة واحدة من الهجمات الانتقامية، أو مقدمة للحرب التي حذر منها منذ فترة طويلة.
وبعد ساعات من إعطاء سلامي الأوامر في طهران، واعتراض الدفاعات الجوية الإسرائيلية 99% من الهجوم، أعلنت إيران أن مهمتها قد أنجزت: "انتهت العملية".
في ذلك الوقت، كان نتنياهو يتحدث عبر الهاتف مع بايدن، حيث قيل له إن دفاع إسرائيل الناجح كان كافيا لتحقيق النصر، وأن الولايات المتحدة لن تنضم إلى أي رد انتقامي.
وقال مسؤول أمريكي كبير: "أخبر الرئيس رئيس الوزراء أن إسرائيل تقدمت بالفعل بفارق كبير في هذا التبادل... تخصلت إسرائيل من قيادة االحرس الثوري الإيراني في بلاد الشام [وعندما] حاولت إيران الرد، أظهرت إسرائيل بوضوح تفوقها العسكري".
وواجهت إسرائيل وابلاً من الصواريخ من حزب الله وحماس لسنوات عديدة، وتصدت لها بقبة حديدية تتباهى بها. وأصبح مشهد صواريخها الاعتراضية وهي تطارد التهديدات على ارتفاع منخفض فوق أفق تل أبيب مشهدا مألوفا الآن.
ولكن هذه كانت المرة الأولى التي تتعرض فيها الدولة اليهودية لهجوم من دولة أخرى منذ عام 1991، عندما أطلق صدام حسين عشرات من صواريخ سكود على تل أبيب وحيفا بينما كان العراق في حالة حرب مع الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل.
في ذلك الوقت، أقنع الرئيس السابق جورج بوش الأب رئيس الوزراء إسحاق شامير بعدم الرد. وهذه المرة، قد يكون نتنياهو أقل تقبلاً لهذه الحجة، نظراً لحجم هجوم طهران: فقد أطلقت إيران في ساعة واحدة عدداً من الصواريخ أكبر مما أطلقه العراق خلال أسابيع الحرب.