إذا صحّت عودة الأميرال علي شمخاني، سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني السابق، إلى تولي ملف المفاوضات النووية مع الغرب، فيمكن ربط هذا التطور مباشرةً بالطلب الأميركي من ممثلي بريطانيا وفرنسا في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التروي في طرح إصدار قرار يندد بما يصفونه "عدم تعاون طهران" مع طلبات الوكالة.
لم ينفِ ناصر كنعاني، الناطق باسم الخارجية الإيرانية، تسلم شمخاني الملف النووي عندما سئل عنه في مؤتمره الصحافي الإثنين، ولم يؤكده أيضاً، مكتفياً بالقول: "ليس لدي نقاط محددة أشاركها معكم في ما يتعلق بالادعاءات غير المباشرة في بعض الشبكات".
أتت الأنباء المتداولة عن إسناد مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الملف النووي مجدداً إلى شمخاني، اعتباراً من نيسان (أبريل) الماضي، بعد أيام من تولي كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني مهام وزارة الخارجية بالوكالة، عقب وفاة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم المروحية بمحافظة أذربيجان الشرقية في 19 أيار (مايو) الجاري. وقد اضطلع شمخاني بدور أساسي في تطبيع العلاقات بين إيران ودول الخليج العربية عندما كان سكرتيراً لمجلس الأمن القومي.
ليس هذا التعيين، بحسب ما ورد من أكثر من مصدر، مرتبطاً بفقدان إيران رئيسي وعبد اللهيان، الأمر الذي يفتح النقاش واسعاً أمام عودة الاتصالات الأميركية - الإيرانية عبر القنوات الخلفية، على غرار الجولة التي عقدت في سلطنة عمان في وقت سابق من الشهر الجاري.
وحتى قبل الضربة الإيرانية لإسرائيل ليلة 13 نيسان (أبريل) الماضي، رداً على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من الشهر نفسه، أرسلت طهران رسالة إلى واشنطن عبر مسقط مفادها أن طهران سترد على الضربة، لكن لا تصعيد شاملاً في المنطقة. وبعد الضربة، سرت تهدئة أميركية - إيرانية، وخفتت نبرة التهديدات المتبادلة، وقدمت واشنطن التعازي بوفاة رئيسي، وقالت إن عوائق لوجستية منعتها من المساعدة في البحث عن مروحيته. كما غابت إلى حد كبير في الأسابيع الأخيرة هجمات حلفاء إيران في العراق وسوريا على القواعد التي ينتشر فيها جنود أميركيون، ليترافق ذلك مع حوار بين بغداد وواشنطن بشأن مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية الإثنين عن أن واشنطن طلبت من الأوروبيين عدم طرح قرار بإدانة طهران خلال اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا في أوائل حزيران (يونيو) المقبل. فمثل هذه الإدانة كانت ستعتبر تمهيداً لنقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، ليُصار إلى طرح الدول الغربية إعادة تفعيل العقوبات الدولية التي كان المجلس قد رفعها عن إيران بعد توقيعها "خطة العمل المشتركة الشاملة"، الاسم الرسمي للاتفاق النووي بين طهران والقوى الغربية في عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018.
ينطلق الأوروبيون في إلحاحهم على التنديد بإيران من تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أفاد بأن طهران زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60 في المئة 30 مرة عن الحد المسموح. فبحسب التقرير نفسه، بلغت المخزونات الإيرانية من اليورانيوم المخصّب 6201,3 كيلوغراماً في 11 أيار (مايو) الجاري، مقارنة مع 5525,5 كيلوغراماً في شباط (فبراير) الماضي، أي أكثر بثلاثين ضعفاً من الحد المسموح به بموجب الاتفاق الدولي المبرم في عام 2015.
وكان رافاييل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد طلب سابقاً من طهران تحقيق "نتائج ملموسة في أسرع وقت ممكن" بعد عودته من زيارة لإيران في بداية أيار (مايو) الجاري، هدفت إلى تخفيف حدّة التوتر الذي يطغى على العلاقات بين الوكالة وطهران. فثمة أسئلة وجهتها الوكالة لإيران ولم تتلقَ إجابات عنها بعد، تتعلق بالعثور على آثار يورانيوم في أربعة مراكز غير معلنة، وباكتشاف كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 84 في المئة. كما هناك قيود فرضتها طهران على عمل المفتشين الدوليين في الأعوام التي تلت انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وتقديرات الخبراء الغربيين أن في حوزة إيران اليوم من المواد الانشطارية ما يتيح لها صنع ثلاث قنابل نووية في غضون أيام، إن قررت ذلك.
هنا، يتعيّن إمعان النظر في الأسباب التي تحمل الولايات المتحدة على الطلب من الأوروبيين التريث في التنديد بإيران، وهذا أمر ستعتبره طهران خطوةً استفزازية قد تردّ عليها بتصعيد التخصيب، أو بفرض المزيد من القيود على مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويدخل في عداد الأسباب أن أميركا تنتظر نتائج الانتخابات الإيرانية في 28 حزيران (يونيو) المقبل، وتفضّل عدم اتخاذ خطوات قد تدفع إيران نحو اختيار رئيس أكثر تشدداً. ومحتمل أن تبني واشنطن على مرونة إيرانية في الملف النووي انطلاقاً من تعيين شمخاني مسؤولاً عنه، وهو الذي كان يتولاه في عهد الرئيس السابق المعتدل حسن روحاني.
يجب ألا يغيب عن البال عامل الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. فقد لا يرغب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يواجه منافسة قوية من ترامب، في إثارة ضجة حول البرنامج النووي الإيراني في الطريق إلى الانتخابات، يمكن أن يستغلها خصمة الجمهوري.