عشرة أيام فصلت بين الإعلان عن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه، وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد لطهران لتقديم واجب العزاء، كانت كفيلة بفتح باب التساؤلات على مصراعيه عن واقع العلاقة بين الدولتين الحليفتين، بعدما حُكي عن فتور كبير فيها سبق حادث الطائرة الرئاسية وتزامن مع القصف الإسرائيلي للقنصليّة الإيرانية في دمشق وموجة الاستهدافات التي طالت خبراء الحرس الثوري وعناصر "حزب الله" وقوافل الأسلحة التي تمرّ عبر سوريا إلى لبنان.
وأسهم الفراغ الذي أحدثه الغياب غير المتوقّع للأسد عن مشهد تشييع رئيسي في زيادة التأويلات والتحليلات، فذهب بعضها بعيداً إلى توقّع حدوث "انفصال تام" و"تزعزع" في العلاقة بين دمشق وطهران، نتيجة قرار من سوريا بالعودة إلى الحاضنة العربية بدلاً من البقاء "منبوذة" من أهل البيت الواحد والدول الغربية. ثمة من اختار أن يكون حذراً أكثر في توصيف شكل هذا التحالف ومستقبله. أما آخرون فقلّلوا من أهميّة ما قيل ويقال، معتبرين أنّ لا شيء يمكن أن يهزّ هذه العلاقة الاستراتيجيّة.
"رسائل... ولعب على الحبال"
يضع الكاتب الصحافي جوني عبو تأخّر زيارة الواجب في إطار السلوك الذي دأب النظام في سوريا على انتهاجه تاريخياً، وهو "توجيه الرسائل واللعب على الحبال".
ويقول عبو، في حديث لـ"النهار"، إنّ "تأخّر الأسد شخصياً عن تأدية هذه الزيارة له اعتبارات ورسائل عدّة... أراد توجيهها لإيران وللعرب"، فالرئيس السوري يرى اليوم أنّ "مصلحته تقضي بوجود علاقة جيّدة مع العالم العربي، لذا لم يكن مستعجلاً بالسفر إلى طهران".
في الوقت نفسه، ربما أراد الأسد أن تكون القيادة الإيرانية قد "رتبت أمورها الداخليّة قبل القيام بزيارتها حتى يتمكّن أكثر من فهم الوضع والتوجهات في طهران" بعد التغيير الحاصل في هرم القيادة، وبطبيعة الحال حتى يتمكّن من "إيجاد وقت خاص للجلوس معهم وإجراء نقاشات في عدد من القضايا"، فهو ليس مثل أيّ شخصيّة أخرى جاءت لتقديم واجب العزاء، بل "حليف مقرّب يعتبر الإيرانيون أنّ لهم فضلاً كبيراً في بقائه في الحكم وهذا ما يرتّب عليه فاتورة كبيرة".
يضيف عبو أنّ "العلاقة بين البلدين تمرّ بظروف صعبة وحساسة وتتغيّر تدريجياً، والأسد يعرف أنّ أجندة الإيرانيين في سوريا لم تعد تتفق مع أجندته، فأولويته هي العودة للحاضنة العربية وتعويمه مقابل الابتعاد عن طهران في ظلّ حديث عن تسهيل الولايات المتحدة للتطبيع مع النظام".
ويتساءل الكاتب والصحافي السوري: "ماذا سيستفيد الأسد من طهران؟ هل تستطيع إنقاذه من الحصار والانهيار الاقتصادي وهي أصلاً في الورطة نفسها ونفوذها يتراجع في المنطقة والعواصم العربية؟".
لكن على رغم ذلك كلّه، يؤكّد عبو أنّ "الانفكاك من العلاقة مع الإيرانيين ليس سهلاً أبداً، بل سيكون مكلفاً جداً، وثمة ديون بالمليارات ناتجة من مساعدة إيران للأسد، فضلاً عن النفوذ الكبير الذي تمكّنت من تحقيقه داخل سوريا خلال سنوات الحرب... إذاً هناك التزامات كبيرة وثقيلة في المجالات الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة، وحتى هناك تغيير ديموغرافي" في سوريا.
بين مرض أسماء الأسد والتهديد الأمني
وعلى النقيض تماماً، يقلّل الكاتب السياسي الإيراني محمد غروي من أهميّة ما يُكتب ويُقال عن فتور بين دمشق وطهران، واضعاً إياه في خانة "التمنيات البعيدة عن الواقع"، فبالنسبة له العلاقات بين البلدين غير مرتبطة بالأزمة التي تعيشها سوريا منذ عام 2011، بل منسوجة منذ فترة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد "ولا يزحزحها أي شيء".
يؤكّد غروي لـ"النهار"، أنّ طهران تعتبر أنّه "من دون سوريا لا معنى لمحور المقاومة، فهي الأصل والأساس".
ويشير إلى أنّ من يقولون بانفصال دمشق عن هذا المحور ينطلقون من فكرة "إقفالها الباب بوجه إيران مقابل فتحه أمام جهات أخرى، وهذا مغاير للواقع والحقيقة وسياسة الانفتاح التي ينتهجها الرئيس الأسد".
أما بخصوص انتظار الأسد لفترة طويلة نسبياً قبل التوجّه إلى إيران ولقاء المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس بالوكالة محمد مخبر، والتعزية برئيسي، فيرى الكاتب أنّ الزيارة "وإن جاءت متأخرة فطهران على اطلاع بالظروف المحيطة بسوريا ورئيسها".
ويتحدّث عن سببين أديا إلى تأخّر زيارة الرئيس السوري: "الأوّل هو تلقيه نبأ إصابة زوجته السيدة الأولى أسماء الأسد بمرض عضال في يوم الإعلان عن استشهاد رئيسي... أما السبب الثاني فأمني بحت، وكلّنا نعرف أنّ هناك من يتربّص بالرئيس الأسد وحتى الزيارات المتعددة التي يجريها لموسكو وطهران لا يُعلن عنها إلّا عند عودته إلى دمشق".
وبشأن عدم انضمام وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى وفد بلاده الذي زار طهران، وهو الذي يمثّل عادة الرئيس بحال غيابه، يقول غروي: "ربما أراد الأسد ألا يقتصر تمثيله على وزير، بل أن يحضر شخصياً في وقت لاحق".
ولربما تكون الزيارة في هذا التوقيت، والإيرانيون قد أنهوا مراسم التشييع والحداد وأصبحوا أكثر تفرّغاً لاستقبال الأسد وخوض "حوار معمّق" معه أفضل للجانبين، وفقاً لمؤيّدي هذا التحالف، إلا أنّ البيانات التي رافقت لقاء خامنئي - الأسد، زادت الشكوك بدلاً من وضع حدّ لها. فانزعاج مرشد الثورة بدا واضحاً عندما حذّر ضيفه من أنّ "من فشلوا بإسقاط النظام السياسي في سوريا من خلال الحرب... يحاولون اليوم إخراجها من معادلات المنطقة عبر وعود لن يفوا بها أبداً"، كما في ردّه على إشارة الأسد إلى أنّ "أيّ تراجع أمام الغرب يؤدي إلى تقدّمه" بالقول "هذه الملحوظة هي الأهم بالنسبة لي"، وفق ما نشرته وكالة "مهر" الإيرانية.