بعد ثلاثة أيام من اطلاق طهران الفرنسي لويس أرنو الذي كانت تحتجزه منذ أكثر من سنتين، بدأت تتكشف معلومات توضح ظروف العودة المفاجئة للمواطن الفرنسي إلى بلاده في ذورة توتر بين الجانبين على خلفية الملف النووي.
وعاد أرنو الخميس الى فرنسا على متن طائرة آتية من سلطنة عمان. وشكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "مسقط وكل من ساهم في إطلاقه". وكان في استقباله والداه اللذان احتضناه طويلاً.
وكان أرنو سافر في أيلول (سبتمبر) 2022 إلى إيران ضمن رحلة سياحية على خطى "طريق الحرير". وألقي القبض عليه في 28 أيلول في طهران عندما كان من المفترض أن يشارك في مغامرة مع ثلاثة آخرين من رفاق السفر، هم سائحان إيطالية وبولندي ومواطنة إيرانية، وأودعوا سجن إيفين في طهران.
أطلق سراح الشابة الإيرانية بعد 24 ساعة فقط من اعتقالها، والبولندي في الشهر التالي، والإيطالية في تشرين الثاني (نوفمبر)، بينما ظل أرنو محتجزاً وحكم عليه في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 بالسجن خمس سنوات بتهمة "الدعاية ضد النظام والعمل ضد الأمن القومي".
في حينه، اعتبرت باريس أن أرنو "سجين سياسي" وضحية "دبلوماسبة الرهائن" التي تعتمدها الجمهورية الاسلامية منذ 1980 والهادفة إلى اعتقال فرنسيين في ايران للضغط على باريس من أجل تحرير مواطنين لها موقوفين في باريس أو لانتزاع تنازلات في ملفات خلافية أخرى.
ولم تقدم باريس ولا طهران تفاصيل عن ظروف إطلاق سراح أرنو.
وتنقل مجلة "لوبوان" الفرنسية عن مقربين منه أن "أرنو نفسه لا يعرف شيئًا، وهو يحاول ربط الأمور ببعضها لكن الأمر ليس واضحًا على الإطلاق. ولا نعرف لماذا أطلق سراحه هو وليس غيره". وعلى الجانب الفرنسي، يشير مصدر دبلوماسي ببساطة إلى أن "المناقشات حول إطلاق سراح الرهينة تنطوي على آليات معقدة للغاية ولا يصلح التعليق عليها".
واعتبرت عودة لويس أرنو إلى فرنسا مفاجئة لأنها تتزامن مع توتر في العلاقات بين باريس وطهران، بعدما شاركت الدبلوماسية الفرنسية بشكل مكثف في صياغة مشروع القرار الذي تبناه مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الخامس من حزيران، والذي يدعو ايران رسمياً إلى الالتزام بالقيود على برنامجها النووي مع إمكانية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران (آلية "العودة")، بحلول عام 2025.
وقبل أيام من إطلاق أرنو أيضاً، تحدثت الصحف الفرنسية عن القاء الشرطة القبض في 3 حزيران على مواطن إيراني ووضعه رهن الاحتجاز الإداري في مدينة ميتز بهدف تسليمه إلى إيران.
وتقول طهران إن بشير بيزار، البالغ من العمر 41 عامًا، والذي تم تقديمه في إيران على أنه الرئيس السابق لقسم الموسيقى والجوقة في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية العامة، اعتقل بسبب منشوراته المناهضة لإسرائيل على شبكات التواصل الاجتماعي، الا أن باريس تشتبه بصلات أمنية له مع طهران، علماً أنه مؤيد مُعلن للنظام الإيراني.
وبيزار أب لطفلين ويعيش في فرنسا منذ عامين بتأشيرة طويلة الأمد، بعدما انضم إلى زوجته في ديجون للم شمل الأسرة.
وهو كان يعيش سابقاً في لندن، حيث قدم نفسه على أنه سكرتير رابطة الطلاب الإسلاميين، وهي منظمة تسيطر عليها طهران.
وأثار توقيفه انتقادات حادة من طهران التي اعتبرت الأمر "عار جديد لفرنسا في موضوع حقوق الإنسان"، الأمر الذي عزز الشبهات بدور أمني له.
"مجاهدي الشعب الإيراني"
والمفارقة الثانية التي سبقت اطلاق أرنو كانت تفتيش الشرطة الفرنسية مقر جمعية مرتبطة بـ"مجاهدي الشعب الإيراني" المعارضة يوم الأربعاء 12 حزيران في منطقة باريس.
وقالت شبكة "أل سي إي" الفرنسية إن العملية حصلت في مبنى بسان أوين لومون يضم قناة "سيماي آزادي" التلفزيونية التابعة لمنظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية، وأنه تم اعتقال ثلاثة أشخاص ممنوعين من البقاء على الأراضي الفرنسية.
وسارع الرجل الثاني في السلطة القضائية الايرانية كاظم غريبابادي إلى الترحيب بالعملية.
غير أن منظمة "مجاهدي خلق" تحدثت عن "صفقة مشينة" بين طهران والحكومة الفرنسية وراء ما حصل، مؤكدة أن اللاجئين الثلاثة الذين طُلب منهم مغادرة فرنسا لم يفعلوا شيئا غير قانوني على الإطلاق ويجب الاعتذار لهم.
وقالت في بيان لها إن على الحكومة الفرنسية "التعامل مع الدكتاتورية الإرهابية بحزم وقوة بدلا من استرضائها والتعامل معها والرضوخ لابتزازها على حساب المقاومة الإيرانية ".
وأكد البيان أن المبنى الذي دهمته الشرطة الفرنسية هو نفسه الذي تعرض لهجوم إرهابي مرتين من قبل النظام الايراني نفس الفترة من العام الماضي.