طهران - أمير دبيرى مهر
منذ الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل التي أجريت عام 2008، أخذت المناظرات التلفزيونية تلعب دوراً هاماً ومحورياً في توجيه آراء الناخبين الذين صاروا يستمعون إلى آراء ووجهات نظر المرشحين ويتخذون قراراتهم استناداً إلى ميولهم ومصالحهم الشخصية.
ولعل ما يجعل المناظرات شيّقة وجذابة للناخبين والمتابعين عبر شاشات التلفزيون، هو التضارب في آراء المرشحين بشأن القضايا الحساسة في المجتمع، ولذلك تستأثر حدة النقاشات باهتمام الجماهير الناخبة.
ولكن في انتخابات عام 2008، أثارت تصريحات الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد ضد منافسيه جدلاً حاداً في المناظرات، الأمر الذي دفع الجهات المعنية إلى ترسيم طبيعة المناظرات في الجانب السياسي والدعائي، مشددة على ضرورة أن تكون ضمن سياقات محددة ولا تؤدي الى عواقب اجتماعية خطيرة لا يمكن السيطرة عليها وتهدد الاستقرار الأمني. ومذذاك، أدى اتباع هذه السياقات المحددة الى تراجع ملحوظ في التشويق للمناظرات التلفزيونية في الأعوام 2012 و2016 و2020.
قضايا المناظرات
وهذا العام، تم تخصيص خمس مناظرات للمرشحين الستة، مدة كل منها أربع ساعات. ركزت المناظرات الثلاث التي أجريت حتى الآن على مسائل اقتصادية ومعيشية وما يثار في الفضاء الافتراضي. إلا أنها لم ترتق الى مستوى المناظرات الحقيقية، بل كانت عبارة عن جلسات أسئلة وأجوبة باردة ولم تسجل فيها اختلافات حادة. وبالمقارنة، أثارت مشادة بين خبيرين في أحد البرامج التلفزيونية بشأن طرد الأستاذ الجامعي محمد فاضلي من الجامعة، اهتمام الايرانيين وشكلت مادة نقاش واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن المرشحين يتجنبون الولوج في نقاشات صريحة وشفافة تتعلق بمواضيع حساسة كالاقتصاد والسياسة والثقافة والأمور التي تهم الشعب، ربما خوفاً من عواقب ذلك، بما فيها احتمالية تهميشهم من مجلس صيانة الدستور.
على سبيل المثال، في المناظرة الثالثة التي ناقشت مسألة الحجاب، لم يتطرق أي من المرشحين الستة إلى ما جرى من أحداث عام 2022 أو المشاكل الاقتصادية، كذلك لم تتم مناقشة دور المؤسسات ذات رؤوس الأموال الضخمة التابعة للحكومة المركزية وتأثيرها على الاقتصاد الايراني.
ومن خلال رصد ومتابعة الأجواء الإعلامية، يلاحظ أن المناقشات بين رواد شبكات المواقع الاجتماعية كانت أكثر جاذبية وتشويقاً من المناظرات التلفزيونية، حيث عبر الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بحرية أكثر عن أرائهم مع التركيز أكثر على المواقف الساخرة.
تصفية حسابات مع عهد روحاني
وعلى هذا الأساس، وبحسب متابعي ومشاهدي المناظرات الذين يقدر عددهم بحوالي عشرين مليون نسمة، فإن المرشحين الرئيسيين للانتخابات يتمثلون بمسعود بزشكيان وسعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف، وأما علي رضا زاكاني وقاضي زاده هاشمي فهما مرشحان مشاركان لأجل تجيير أصواتهما لصالح المرشح سعيد جليلي. يبقى المرشح السادس والأخير مصطفى بورمحمدي، وهو رجل الدين الوحيد بين المرشحين، قد لفت انتباه المتابعين بطروحاته الشفافة والصريحة وكان الأقرب للمرشح بزشكيان، لذا من المحتمل أن ينسحب لصالح الأخير.
ووجه زاكاني وقاضي زاده انتقادات واسعة لحكومة حسن روحاني التي استمرت لثماني سنوات واصفين في الوقت ذاته منافسهم المرشح مسعود بزشكيان بأنه أشبه بالحكومة الثالثة لروحاني وهذا رفضه المرشح الرئاسي. وفي المقابل، لم يكن موقف هذين المرشحين من منافسهما قاليباف واضحاً، ويتوقع محللون ومتابعون أن ينكشف خلال المناظرتين الأخيرتين، وأن يكون في صالح جليلي. لذلك فقد انتشرت في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات شائعات مفادها أن جليلي سوف يتصدر صناديق الاقتراع، وأن قاليباف سوف ينسحب هو الآخر لصالح جليلي أيضاً.
إنها شائعات لا تستند إلى دليل يؤكد أهليتها، سوى الجماعات المتشددة الحاكمة في السلطة التنفيذية التي تبذل قصارى جهودها من أجل التمسك بزمام السلطة، لذا نراها تركز كثيراً على ترداد اسم الرئيس الراحل ابراهيم رئيسي باستخدام كافة الامكانيات المتاحة والممكنة لها.