أمیر دبیری مهر
خلال الدورات الانتخابية لرئاسة الجمهورية الـ 14 التي جرت بعد الثورة الإسلامية في إيران، تمّ انتخاب ثمانية رؤساء، هم على التوالي، السادة: بني صدر، رجائي، خامنئي، رفسنجاني، خاتمي، أحمدي نجاد، روحاني ورئيسي، الذين كانوا على رأس السلطة التنفيذية في ظل وجود مستويين من المنافسة.
المستوى الأول، تمثل في التنافس الظاهري أو التقليدي للانتخابات الرئاسية، أي التي جرت بين المرشحين، بينما تمثل المستوى الآخر في التنافس الباطني الذي جرى بين المؤيدين والمعارضين إزاء المشاركة والاقتراع.
وخلال الانتخابات الرئاسية الــ 13 الماضية، كان المستوى الأول من المنافسة سائداً أكثر من المستوى الثاني، والذي دار حول حقيقة التفاوت بين المؤهلات والكفاءات وقدرات المرشحين، ولم يكن شيئاً غيره. أما اليوم، الجمعة 28 حزيران (يونيو)، فسيكون المستوى الثاني من التنافس لاختيار رئيس الجمهورية هو المستوى الطاغي والعامل الحاسم في اختيار الرئيس الإيراني المقبل.
المسألة المهمّة في انتخابات اليوم تتمثل في وجود صنفين من المؤيدين لمنح أصواتهم في الانتخابات: الصنف الأول يتمثل في الناخبين الكلاسيكيين في إيران، وهم الذين يحرصون على تجديد البيعة في التصويت والاقتراع لنظام الجمهورية الاسلامية، أي أن نتيجة الانتخابات تأتي في الأولوية الثانية بالنسبة إليهم. أما الصنف الثاني فيتمثل في الناخبين الذين يرون في أن لمشاركتهم حضوراً ودوراً سياسيين من شأنهما أن يؤثرا في نتائج الانتخابات لهذا العام، والذين يقومون دائماً بتوجيه النقد والاعتراض إلى بعض سياسات النظام، لذلك تأتي مشاركتهم في الانتخابات واقتراعهم لمسعود بزشكيان من باب أنهم يرون في ذلك وسيلة لإصلاح السياسات وتحسين الوضع العام للمجتمع، خصوصاً في المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية.
وأما معارضو المشاركة في الانتخابات، فهم يتمثلون في مجموعتين: تضمّ المجموعة الأولى معارضي الجمهورية الإسلامية، والذين يُطلق عليهم اصطلاح الأجانب المناهضين للثورة والمخالفين لمبادئ الجمهورية الإسلامية؛ وتضمّ المجموعة الثانية أولئك الذين يشعرون بخيبة أمل من أداء النظام السياسي، ويرون أن إصلاح البنى الهيكلية طريقه مسدود، إلّا أنهم لا يعارضون النظام ولا يخالفون مبادئه ولا دستوره ولا الثورة الإسلامية، ورغم ذلك يعتقدون أنه حتى لو فاز مسعود بزشكيان، فلن يتمكن من تحسين الوضع العام في البلد، وأن المشاركة في الانتخابات ستعود بالنفع على الحكومة المتشكلة أكثر مما ستنفع الشعب.
وفي انتخابات اليوم، لم تحصل منافسة بين المرشحين، ولا مكاسب معينة جراء المنافسة بين المؤيّدين والمعارضين المتشدّدين للجمهورية الإسلامية، لكن المنافسة الحقيقية كانت بين من يعتبرون التصويت لبزشكيان هو لأجل تحسين حالة البلاد، حتى لو بشكل نسبي وقليل، ومن يعتبرون الاقتراع لبزشكيان بلا فائدة، إنما يعلمون أنهم يلعبون في ساحة كانت من تصميم النظام السياسي وصناعته.
على هذا الأساس، يبدو أن المجموعة الثانية يسودها التشاؤم، وإذا أصرّت على عدم المشاركة فذلك يعني أن السيناريو الأول سيمثل نسبة مشاركة أقل من 55 في المئة في الانتخابات، وهذا يعني أن الأصوليين قاليباف أو جليلي هما الفائزان. لذا، لن تحصل هذه المجموعة من الأخصائيين الاجتماعيين على أي نقاط، كذلك سيواجهون خيبة أمل أعمق والمزيد من الإحباط السياسي.
وفي السيناريو الثاني، يدخل الناخبون الانتخابات غير راضين عن الوضع العام على أمل تحسنه عبر صناديق الاقتراع الديموقراطية. ومع ارتفاع نسبة المشاركة أكثر من 55 في المئة، وهذا يعني مشاركة أكثر من 35 مليون ناخب في البلاد، فإن من المؤكّد أن يكون المرشح مسعود بزشكيان فائزاً برئاسة الجمهورية التاسعة، بأكثر من 18 مليون ناخب صوّتوا له. وهذا يعني أن جزءاً من المجتمع ما زال يأمل في حدوث تغييرات إيجابية في إيران. وهناك ملاحظتان لا ينبغي تجاهلهما أو الابتعاد عنهما: الأولى، لا يمكن تحقيق أو إنجاز كافة التغييرات التي تلبّي رغبات الناخبين؛ والثانية، لا يمكن تنفيذ التغييرات التي يأمل الشعب في تحققها بسهولة، وستُواجه بمقاومة ومماطلة في تنفيذها من قبل المعارضة، خصوصاً في البرلمان.
ويبقى أمل الإيرانيين وتعلّقهم بتحقيق التقدّم والتنمية أقوى من كل العقبات، رغم أنه يتطلّب وقتاً أطول وتكاليف أكثر.