أياً كان الفائز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية غداً، الإصلاحي مسعود بزشكيان أو المتشدد سعيد جليلي، سيواجه، إلى التحديات الاقتصادية الداخلية والجدل حول الحريات، استحقاقات كبرى في شرق أوسط يشهد صيفاً ملتهباً. من الحرب في غزة مع قابلية تمددها إلى لبنان وأنحاء أخرى، علاوة على العلاقات مع الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة التي بدأت تميل فيها الكفة بقوة للرئيس السابق دونالد ترامب، بعد الأداء الفاشل للرئيس جو بايدن في المناظرة التلفزيونية الأولى بينهما الخميس الماضي.
على أن هذه الأعباء الكبرى التي تنتظر الرئيس الإيراني المقبل، يواكبها همّ آخر لدى النظام في إيران، وهو تدني نسبة الإقبال على الانتخابات، وفق ما أظهرت الجولة الأولى من الاقتراع الجمعة الماضي التي بلغت أقل بقليل من 40 في المئة. كانت تلك أدنى نسبة إقبال تسجل في أي انتخابات على الإطلاق منذ ثورة 1979.
نسبة المشاركة المتدنية بعثت برسالة قرأها بزشكيان خلال مناظرته مع جليلي الإثنين، مفادها أن "الناس غير راضين عنا". وهذه قضية جوهرية تمس شرعية النظام، وهذا ما يفسر إطلاق مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي أكثر من نداء من أجل "مشاركة عالية" في التصويت، لأن الغرب يرى في عدم الإقبال على صناديق الاقتراع، علامة إلى تناقص التأييد للنظام وبوادر ضعف، وأن اللامبالاة التي تبديها شريحة واسعة من الإيرانيين، هي تعبير صارخ عن الاستياء السائد.
وعندما يتمدد إحباط جزء لا يستهان به من الشارع، ليطاول حتى السياسيين الإصلاحيين وتوجيه اللوم إلى بزشكيان لترشحه باعتباره غطاءً لسياسات النظام، يصير مفهوماً لماذا تشكل نسبة الإقبال الهاجس الأكبر لدى المرشد، بصرف النظر عن الفائز.
إن توافر نسبة إقبال أكبر في انتخابات الغد، من تلك التي شهدتها الجولة الأولى، تتيح للنظام القول إنه الفائز الأكبر من هذا الاستحقاق، سواء ربح بزشكيان أم جليلي.
لا ينفي هذا، أن الفائز سيترك بصمته الخاصة على سياسات إيران في المرحلة المقبلة. وحتى لو فاز بزشكيان هل يستطيع تنفيذ أجندة داخلية لا تصطدم بمجلس شورى يهيمن عليه المتشددون، وكذلك بالمجلس الأعلى للأمن القومي، وفي نهاية المطاف مع المرشد، الذي له القول الفصل في تقرير المسائل الأساسية، داخلياً وخارجياً؟
التيار الإصلاحي والجيل الشاب يبدوان في حالة يأس من إمكان التغيير، ولذلك لا يجدان فارقاً بين المرشحين. وفوز جليلي المتشدد والرافض للتعامل مع الغرب والداعي إلى المضي في "الخيار الشرقي"، الذي سار عليه الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، سيعني أن العقوبات الأميركية ستستمر وتتصاعد، خصوصاً إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض حاملاً معه "الضغوط القصوى" بيد على إيران والتهويل بعمل عسكري بيد أخرى، بينما المعروف عن جليلي رفضه تقديم أي تنازل في الملف النووي. وهذا ربما يتحول نقطة متفجرة مع الغرب.
أما بزشكيان فهو مقتنع بأن الاقتصاد الإيراني لن يشهد انتعاشاً نوعياً ما دامت العقوبات الأميركية مستمرة. لذا، ينادي بقوة بضرورة معاودة التفاوض مع الولايات المتحدة.
والبرنامج النووي سيكون مطروحاً بقوة العام المقبل، إذ ينتهي العمل بمعظم بنود اتفاق 2015 المعروف رسمياً بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة". الدخول في مفاوضات مع واشنطن يعتمد أيضاً على من يكون في البيت الأبيض، يبقى بايدن أم يعود ترامب؟
وإلى الملف النووي، تتعاظم المخاوف من توسع حرب غزة إلى نزاع إقليمي كبير، يمتد من لبنان إلى حلفاء طهران في المنطقة، من دون استبعاد مشاركة إيرانية مباشرة، ستؤدي حكماً إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة.
وهذه من الأسباب التي جعلت واشنطن وطهران تعملان منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) على تجنب توسيع حرب غزة. بيد أن هذا الأمر قابل للتغير إذا عاد ترامب، وهو الذي يفضل انتهاج سياسة أكثر تشدداً لاحتواء نفوذ إيران في المنطقة وكبح برنامجها النووي.
تتمة انتخابات إيران في 5 تموز (يوليو)، ستكون في انتخابات 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في الولايات المتحدة، وعلى هذين الاستحقاقين، يتوقف مصير الكثير من الاستحقاقات في المنطقة أيضاً.