في 1 تموز (يوليو) الحاليّ، وبعد يومين على تصدّر المرشّح الرئاسيّ الإصلاحيّ محمود بزشكيان الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة المبكرة في إيران، نشر موقع "يورونيوز" تقريراً بعنوان مثير للاهتمام: "لماذا مسعود بزشكيان (سيكون على الأرجح) رئيس إيران المقبل؟"
أعدّ التقرير رئيس الخدمة الفارسيّة في الشبكة الإعلاميّة نفسها باباك كاميار. ينقل كاميار عن "بعض النقّاد" الذين لم يسمّهم اعتقادهم أنّ "موافقة مجلس صيانة الدستور – هيئة صناعة قرار قويّة مؤلّفة من 12 عضواً – على ترشيحه لم تكن صدفة وأنّ رئاسته قد تكون جهداً من قبل لبّ النظام لتفادي انهيار".
يعتقد كاميار أنّ إيران في وضع صعب جدّاً، إذ تواجه مشاكل اقتصاديّة لا حدّ لها وآفاق عودة ترامب إلى البيت الأبيض. كذلك، لا يزال جمر التظاهرات الشعبيّة السابقة تحت الرماد، فيما قد يمثّل توقيعُ بوتين اتّفاقيّة سلام مع أوكرانيا إيذاناً بوقف دعم روسيا لإيران. لهذه الأسباب وغيرها، يحتاج المرشد الأعلى علي خامنئي إلى ما يسمّيه كاميار، "جنديّاً مختلفاً" و"صمّام أمان"، في مرحلة مخاطر. هذا "الجنديّ" هو بزشكيان.
من بين جميع الأسباب التي ذكرها كاميار، يمكن أن تعدّ فرصة عودة ترامب إلى البيت الأبيض الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى المرشد والإيرانيّين. تترك هذه الاحتمالات تأثيرها على الوضع الإيرانيّ حتى قبل تحوّلها الممكن إلى واقع.
"توتّر"
في نيسان (أبريل) الماضي، رأى طالب الدكتوراه في جامعة ديكين الأستراليّة أمين نائني أنّ هذه الاحتمالات تجعل إيران "متوتّرة جدّاً". على سبيل المثال، حذّر الخبير الاقتصاديّ مرتضى أفغي من احتمال "انهيار اقتصاد إيران" لو عاد ترامب. كما أنّ هناك مخاوف من إشعال عودة ترامب التظاهرات مجدّداً، إن لم تكن أيضاً من تصعيد الضغط الأمنيّ والعسكريّ على طهران.
الأهمّ من كلّ هذا رقمٌ لاحظه نائني بعد اكتساح ترامب للانتخابات التمهيديّة الجمهوريّة في وقت سابق من هذه السنة. فبالتوازي مع ذلك الحدث، انهارت قيمة الريال الإيرانيّ بـ 20 في المئة.
كانت التعليقات والمخاوف من عودة ترامب إلى الرئاسة الأميركيّة حاضرة بقوّة أيضاً في الحملات الانتخابيّة الأخيرة. على موقع "أكس" (تويتر سابقاً)، طرح حسام الدين أشينا، مدير حملة المرشّح الوسطيّ مصطفى پورمحمّدي، السؤال التالي: "من سيكون قادراً على إدارة البلاد ضدّ ترامب؟"
كذلك، قال محمد جواد أذري جهرمي الذي شغل منصب وزير الاتّصالات في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني إنّه سيصوّت لبزشكيان بسبب "مخاوف من عودة محتملة لترامب" إلى البيت الأبيض.
ماذا يعني كلّ ذلك؟
يمكن القول إنّه لو أرادت إيران فعلاً الانفتاح على الغرب والعودة إلى اتّفاق نوويّ معدّل لفعلت ذلك في عهد الرئيس الحاليّ جو بايدن وفي ظلّ حكومة رئيسها الراحل إبراهيم رئيسي. قد يعود رفض إيران لاتّفاق جديد إلى أسباب كثيرة ليس في مقدّمها عدم وجود رئيس إصلاحيّ في البلاد.
على العكس من ذلك، وفي حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، سيكون قبول رئيس متشدّد باتّفاق نوويّ جديد مع الرئيس الجمهوريّ مكسباً للمعسكر المحافظ، إذ سيكون اتّفاقاً أكثر صلابة على الأرجح. بالتالي، من غير الضروريّ أن يبدأ المرشد بالاستعداد لعودة ترامب إلى البيت الأبيض عبر تسهيل وصول إصلاحيّ إلى الرئاسة الإيرانيّة، خصوصاً على حساب المرشّح المقرّب منه سعيد جليلي.
(جليلي وبيزشكيان يتصافحان في نهاية مناظرة رئاسية)
وحتى لو كان المعسكر المحافظ في إيران يخشى عودة ترامب فقد لا يكون في وارد التفكير بتقديم تنازلات استباقيّة. دافع موقع "إيران أونلاين" الرسميّ عن موقف هجوميّ ضدّ إدارة مستقبليّة لترامب عبر "إنجاز دورة الردع النوويّ" متفاخراً بأنّ القفزة النوعيّة من التخصيب بين سنتي 2020 و2024 هي "أكبر ورقة رابحة لإيران ضدّ ترامب".
3 مشاكل في فرضيّة "اختيار" بيزشكيان
إذا كانت طهران تريد إبداء مرونة تحسّباً لفوز ترامب في الانتخابات المقبلة، ففرضيّة التخطيط لإيصال بزشكيان إلى الرئاسة لا تبدو فرضيّة متماسكة لثلاثة أسباب على الأقلّ. من جهة، لا تخدم الأرقام الحاليّة المرشّح الإصلاحيّ إلى حدّ كبير، على الأقلّ ليس من دون رفع نسبة الإقبال على التصويت، وهو ما فشل في تحقيقه المعسكر المتشدّد خلال الدورة الأولى من الانتخابات. وهذا يعني، بشكل بديهيّ، أنّه مهما بلغت قوّة النظام الأمنيّة والسياسيّة، لا يمكنه التحكّم بالتفاصيل الانتخابيّة كافّة. على سبيل المثال، لم يحصل المرشّح المحافظ محمد باقر قاليباف، المقرّب من الحرس الثوريّ، إلّا على 13.8 في المئة من الأصوات. ربّما يعني هذا الأمر أنّ الحرس، بالرغم من قوّته، فشل أيضاً في إيصال قاليباف إلى الدورة الثانية من الانتخابات.
وبالحديث عن قاليباف، طالب الأخير مناصريه التصويت لسعيد جليلي في الدورة المقبلة. لو كان المرشد يريد رفع احتمالات فوز بزشكيان لأمكنه الطلب من قاليباف الإعلان عن ترك حرّيّة الخيار لمناصريه بالنسبة إلى الدورة الانتخابيّة المقبلة، خصوصاً أنّ مجموع الأصوات المحافظة يفوق الأصوات التي حصدها بزشكيان.
وثمّة سبب إضافيّ قد يكون الأهمّ لافتراض أن تكون النتيجة الكبيرة التي حقّقها بزشكيان أقرب إلى المفاجأة بالنسبة إلى صنّاع القرار في طهران منها إلى تمهيد مخطّط له كي يصل المرشّح الإصلاحيّ إلى سدّة الرئاسة. في نهاية المطاف، لو أراد المرشد فعلاً وصول مرشّح معتدل إلى السلطة بصفته "صمّام أمان" ضدّ ترامب لَحصل إصلاحيّون أوسع شعبيّة من بزشكيان على الضوء الأخضر من قبل مجلس صيانة الدستور لخوض حملتهم الانتخابيّة. لعلّ النائب الأوّل السابق لروحاني إسحق جهانغيري الذي مُنع من الترشّح أوّل ما يخطر إلى الأذهان.