النهار

هل خامنئي "مرتاح" لفكرة فوز بزشكيان؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
تبدو الانتخابات الرئاسيّة في إيران معاكسة للاتّجاه الذي سلكته البلاد في الآونة الأخيرة.
هل خامنئي "مرتاح" لفكرة فوز بزشكيان؟
مناصرون يضعون ملصقاً لصورة المرشّح الذي أصبح رئيساً لإيران مسعود بزشكيان خلال حملة انتخابية (أ ب)
A+   A-

بالرغم من أنّ فوز الإصلاحيّ مسعود بزشكيان بالرئاسة الإيرانيّة قد لا يترك تأثيراً كبيراً على السياسة الخارجيّة للبلاد، يضخّ الحدث بعض الأسئلة، من بينها ما إذا كانت هذه النتيجة قد "فاجأت" المحافظين أو عبّرت عمّا "خطّطوا" له منذ البداية. قد يكون الجواب مزيجاً من هذين الاحتمالين... أو أكثر.

 

بعد فوز المحافظين بالانتخابات الرئاسيّة سنة 2021، بدا حضور الإصلاحيّين والمعتدلين في الساحة السياسيّة الإيرانيّة وكأنّه شيء من الماضي. تأكّد ذلك أكثر مع الانتخابات التشريعيّة في آذار (مارس) وأيار (مايو) الماضيين، حين فاز المحافظون بـ 233 صوتاً من أصل 290 من مجلس الشورى. في الوقت نفسه، مُنع الرئيس الأسبق حسن روحاني من الترشّح لولاية جديدة في مجلس خبراء القيادة الذي ينتخب المرشد، ممّا دفعه إلى اتّهام "الأقلّيّة الحاكمة الشموليّة" باستبعاده لأسباب سياسيّة. وأضاف أنّها تريد تقليل مشاركة الشعب في الانتخابات، لكنّه لم يدعُ بشكل صريح إلى مقاطعتها.

 

وأبدى مجلس صيانة الدستور التشدّد نفسه على أبواب الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة. تمّ استبعاد العديد من الأسماء البارزة مثل النائب الأوّل الأسبق لروحاني إسحق جهانغيري والرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني. وقد واجه الأخير الحظر نفسه سنة 2021. الإصلاحيّ الوحيد الذي سمح له المجلس بالترشّح إلى الرئاسة هو وزير الصحّة الأسبق (2001-2005) والنائب مسعود بزشكيان الذي أصبح منذ ساعات رئيساً لإيران.

 

أراده أم لم يرده رئيساً؟

لو أراد مجلس صيانة الدستور (هيئة معيّنة بشكل مباشر وغير مباشر من المرشد الأعلى) منح الإصلاحيّين فرصة كبيرة للفوز بالرئاسة، لكان من المنطقيّ إعطاء الضوء الأخضر لجهانغيري بالنظر إلى شهرته الأوسع. ينطبق الأمر نفسه على لاريجاني وإن كان الأخير أقرب إلى الوسط ضمن الطيف السياسيّ الإيرانيّ. لهذا السبب، سادت شكوك بأنّ الهدف من الموافقة على ترشّح بزشكيان كان رفع نسبة الإقبال ممّا يعطي الشرعيّة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة، لكنّه يحفظ في الوقت نفسه حظوظ أحد المحافظين المعروفين على نطاق واسع، سعيد جليلي أو محمد باقر قاليباف. استندت هذه الفرضيّة إلى حجّة قويّة لكنّها لم تخلُ من نقاط ضعف كما تبيّن لاحقاً.

 

بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة، حقّق بزشكيان المركز الأوّل، لكنّ نسبة التصويت كانت متدنّية بشكل قياسيّ فلم تبلغ عتبة 40 في المئة. كان واضحاً أنّ حظوظ بزشكيان أصبحت أكثر جدّيّة مع تحقيقه 42.5 في المئة من الأصوات مقابل نحو 38.6 في المئة لجليلي. بشكل منطقيّ، كان متوقّعاً أن يفوز بزشكيان في الجولة الثانية – بشرط ارتفاع نسبة الإقبال، بما أنّ القسم الأكبر من المقاطعين تألّف من المعتدلين الذين فقدوا ثقتهم بإمكانيّة التغيير من داخل مؤسّسات الحكم. ما حصل في الجولة الثانية أنّه تمّ تمديد فترة الاقتراع لثلاث مرات متتالية. هل كان الهدف رفع نسبة الإقبال عن 40 في المئة مهما كان الثمن، حتى ولو كان المجازفة بمجيء إصلاحيّ إلى الرئاسة؟ أم كان الهدف في الأساس فوز بزشكيان؟

 

في جميع الأحوال، ارتفعت نسبة الإقبال إلى نحو 49 في المئة خلال الجولة الثانية. إذا كانت المساحة متوفّرة لتحقّق المفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات فإنّ ذلك الهامش بات بالتأكيد أضيق نطاقاً بعد تلك الجولة. بالحدّ الأدنى، أصبح الحُكم في طهران بعد 29 حزيران (يونيو) أكثر استعداداً لاحتمال فوز بزشكيان، وربّما، "مرتاحاً لاحتمال فوزه"، كما كتب قبل الجولة الانتخابيّة الثانية، أفشون أوستوفار، أستاذ مشارك في شؤون الأمن القوميّ ضمن الكلّيّة البحريّة للدراسات العليا.

 

حسابات أخرى في المعادلة... "الضمانة"

في المعادلة التي تشير إلى "تقبّل" احتمالات فوز بزشكيان، ثمّة عناصر جديرة بالاهتمام. بما أنّ إيران في مرحلة انتقاليّة (ولو غير رسميّة) لاختيار المرشد التالي، يبقى الانتقال السلس أبرز أهداف الحكم هناك. وبالنظر إلى أنّ جمر الاحتجاجات في إيران لا يزال تحت الرماد، بالاستناد إلى تواتر التظاهرات منذ سنة 2017، يبدو أنّ بزشكيان يوفّر هذه الضمانة، وبشكل محتمل، أكثر من غيره.

 

فهو دعا إلى التحقيق في مقتل مهسا أميني داخل حجز للشرطة بعد اعتقالها بسبب عدم التزامها بقانون ارتداء الحجاب. ودعا أيضاً إلى ليونة في تنفيذ القانون كما إلى تخفيف القيود على الإنترنت. تجد هذه الدعوات صدى كبيراً بين فئة الشباب الإيرانيّ. علاوة على ذلك، وبما أنّ بزشكيان يتحدّر من أصول أذريّة وكرديّة، قد يتمكّن النظام من كسب تعاطف، أو على الأقلّ عدم عدوانيّة، ما مجموعه 25 في المئة المواطنين الإيرانيّين. (مهسا أميني نفسها هي إيرانيّة-كرديّة).  

 

وربّما يكون بزشكيان الخيار الأنسب لتخفيف نقمة شعبيّة محتملة إذا قرّر المرشد الأعلى علي خامنئي اختيار نجله مجتبى خلفاً له. قامت الثورة على مناهضة المَلَكيّة والوراثة، وقد يثير انتخاب مجتبى (بتوجيهات ضمنيّة من خامنئي) استياء قسم من الإيرانيّين. عبر منح الإصلاحيّين الرئاسة، تتضاءل احتمالات تحوّل أيّ استياء إلى احتجاجات عامّة، مع تبقّي مهمّة إقناع بعض المتشدّدين بهذا الخيار، وإن يكن مرجّحاً أن تتمّ هذه المهمّة خلف الكواليس ومن دون مشاكل كبرى.

 

تأرجُح؟

ربّما خطّط النظام لوصول متشدّد إلى الرئاسة، لكنّه غيّر رأيه بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات: أوّلاً لأنّ الإصرار على فوز متشدّد وسط أجواء انتخابيّة غير مؤاتية قد يعيد إيران إلى اضطرابات "الثورة الخضراء" سنة 2009، وثانياً لأنّ انتخاب بزشكيان الذي تعهّد باحترام قرارات خامنئي منذ البداية قد يأتي بمكاسب ملموسة.

 

تبقى هذه فرضيّات محتملة لـ "عدم اعتراض" إن لم يكن لـ "ارتياح" الحكم في طهران تجاه فوز بزشكيان. الأكيد أنّ نتائج الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة ستثير تعطّش المحلّلين على الكثير من الأجوبة، ولفترة غير قصيرة.

 

اقرأ في النهار Premium