أمیر دبیری مهر
بعد مضي ما يقارب الخمسين يوماً على وفاة ابراهيم رئيسي في حادثة تحطم الطائرة، انتخب الإيرانيون مسعود بزشكيان رئيساً تاسعاً لإيران. واستطاع بزشكيان بعد خوضه منافسة سياسية قوية مع منافسيه الأربعة الفوز بــ16 مليون صوت تم الإدلاء بها له من أصل 61 مليون ناخب إيراني، متفوقاً بجدارة على أقرب منافسيه، ألا وهو سعيد جليلي.
جليلي لم يكن يتوقع أنه سوف يحصل على 13 مليون صوت، وهو السياسي الذي بامتلاكه قاعدة اجتماعية من المحافظين، فإن فكرة اغتنام أي فرصة في المستقبل للوصول إلى السلطة لا تزال قائمة في ذهنه، بخاصة أنه في المرحلة الثانية من الانتخابات كان عدد الأصوات التي حصل عليها يقل فقط بحوالي ثلاثة ملايين صوت عن مجموع الأصوات التي حصل عليها بزشكيان.
الدكتور مسعود بزشكيان، الرجل البالغ من العمر 70 عاماً، يتمتع بتجارب لسنوات عديدة من العمل كنائب في البرلمان، وكان يلقب بالبرلماني المحترف. وبعد أن يستقر في القصر الرئاسي خلال الأيام القادمة بعد أن يؤدي اليمين الدستورية في البرلمان والقيام بعد ذلك بممارسة مهماته كرئيس، سوف يواجه بعض التحديات، أهمها:
تسمية حقائب الوزراء ووكلاء الوزراء ومسؤولي الهيئات والمؤسسات التابعة لرئاسة الجمهورية، والتي تأتي دائماً ضمن أولويات مهمات أي رئيس للبلاد.
وسوف يواجه بزشكيان خلال هذه الفترة ضغوطاً، سواء من أحزاب أو كتل سياسية طالما دعمته في مرحلة الانتخابات والتي تسعى إلى كسب حصتها في مقاعد الحكومة المقبلة.
من ناحية أخرى، ولأجل كسب ثقة البرلمان، فإنه سوف يواجه عقبات صعبة، بخاصة أن غالبية النواب المنتمين إلى تيار المحافظين هم من مؤيدي سعيد جليلي الذين لهم ذكرى أليمة يوم هُزموا في الخامس من تموز (يوليو) ا أمامه، لذا ستكون فرصتهم لتعويض هزيمتهم مواتية عند قيام مجلس النواب بتأييد أهلية وصلاحية الوزراء الذين سيقدمهم بزشكيان.
ولا ننسى أن رئيس البرلمان الذي ستكون بيده مفاتيح منح الثقة لوزراء برشكيان، هو محمد باقر قاليباف، وهو الذي كان أحد المنافسين للرئيس الحالي في مرحلة الانتخابات، وقد تعرض لهزيمة قاسية منذ الجولة الأولى حين حصل فقط على ثلاثة ملايين صوت، ما اضطره بعدها لإعلان دعمه رسمياً لسعيد جليلي في المرحلة الثانية. وقاليباف في الحقيقة ليس رئيساً للبرلمان فحسب، بل هو أيضاً زعيم لغالبية الأعضاء الموالين له.
في هذا المجال، لا بد من ذكر حقيقة واحدة، يمكن أن تشكل فرصة مناسبة لبزشكيان، ألا وهي أن العلاقة بين التيار الأصولي الذي يتزعمه قاليباف والتيار المتشدد، ليست بالقوية. على هذا الأساس، إذا تمكن بزشكيان من التعامل بطريقة إيجابية مع تيار الأغلبية، فإنه سوف يجتاز أهم عقبة أمامه.
وهناك مسألة أخرى مهمة، غالباً ما يغفل عنها المحللون، وهي أن بزشكيان سوف ينال دعم المرشد الأعلى وتأييده له في هذا الاتجاه. فعلى مدى 35 عاماً، كان آية الله علي خامنئي يقدم دعمه للحكومات المتشكلة حديثاً، وبالتأكيد سوف يشمل هذا الدعم حكومة بزشكيان ومن ثم ستتبع الأكثرية في البرلمان آراء القيادة وتوجيهاتها بكل جدية.
إزاء هذا الوضع، وقبل بدء الانتخابات بأيام قلائل، وجّه قائد الثورة خطاباً إلى الرئيس الذي سيتم انتخابه بأن عليه تعيين أشخاص يكونون مؤمنين تماماً بأسس الثورة الإسلامية ومبادئها ونظام الجمهورية الإسلامية ومن المخلصين لها.
متابعون سياسيون اعتبروا أن خطاب قائد الثورة موجه بالتحديد إلى بزشكيان، ذلك أن مؤيدي تياره متهمون بالتشكيك بمبادئ الثورة واتهامات أخرى من بينها سلطة الولي الفقيه. لذا، ولكي يتمكن بزشكيان من الفوز بدعم القيادة له ومواجهة مشكلات أقل خلال عملية تسمية حقيبته الوزارية، عليه التمسك بتوجيهات قائد الثورة والبرلمان.
وستكون لنا عودة إلى التحديات الأخرى التي سيواجهها الرئيس الإيراني الجديد، سواء في المجال الاجتماعي أم الاقتصادي أم ما يتعلق بطبيعة العلاقات الدولية.