طهران - أمیر دبیری مهر
في المقالة السابقة، تحدثنا عن التحدّي الذي سيواجهه الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في البرلمان غير المتحالف معه عند تشكيل الحقائب الوزارية، إلّا أنه في الحقيقة سيواجه تحدّيين مهمّين، أحدهما داخلي والآخر خارجي.
يتمثل التحدّي الداخلي الأهم الذي سيواجهه بزشكيان في أن 50 في المئة من الشعب لم يشارك في الانتخابات، لا في 28 حزيران (يونيو) ولا في 5 تموز (يوليو)، وهذا يعني أنه كي يكون الرئيس الجديد موفقاً في مهمّاته ومهمّات حكومته الرابعة عشرة، عليه إيلاء الناخبين الذين بلغ عددهم حوالى 30 مليون نسمة المزيد من الاهتمام، وليس فقط 17 مليون ناخب صوّتوا له. وهذه الكتلة لم تَرض المشاركة في الانتخابات، على رغم كل المحاولات التي بذلها المثقفون والكتّاب والصحافيون المؤثرون في الرأي العام. وحتى القلق بشأن تبعات فوز سعيد جليلي لم يدفعها بشكل كامل إلى المشاركة. فهذه الكتلة ترفع مجموعةً من الانتقادات الجادة والبنيوية للمؤسسات والهياكل الحكومية، وهي عانت مما يمكن تسميته "اليأس السياسي"، ولم ترضَ أيضاً بالنقاشات والمناظرات التي جرت، لأنها لا تزال تنتظر ما سيقدّمه الرئيس المنتخب وحكومته المقبلة من إنجازات عملية جادة.
لو تمكن مسعود بزشكيان من اتخاذ خطوات فعّالة في هذا الاتجاه، فلن يكسب إلى صفه الكتلة غير الراضية بالمشاركة في الانتخابات فحسب، بل ربما يكسب أصواتاً من 13 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم لسعيد جليلي. لذا، لا بدّ من انتظار ما ستحمل المهمات والإنجازات للرئيس التاسع لإيران، وانتظار تشكيل الحكومة التي يمكن أن تكون محققة للآمال، أو مخيّبة.
ثمة تحدّ آخر مهمّ جداً سيواجهه بزشكيان، يتمثل في السياسة الخارجية. ففي حملته الانتخابية، وخصوصاً في المناظرات السياسية، طالما أعلن صراحة ضرورة فتح الحوار مع العالم الخارجي، وقال إن الدبلوماسية ستكون بمثابة الحل الأساسي لقضايا إيران الدولية. وبزشكيان يعلم جيداً أن السبيل إلى تحسين الوضع الاقتصادي في إيران لا يتحقق من دون تحسين علاقات البلاد الخارجية والتزام الاتفاقيات الدولية. لذلك، وبالتأكيد، سوف يولي السياسة الخارجية اهتماماً خاصاً، من أجل تحسين الاقتصاد الإيراني.
لكن، لو أراد بزشكيان السير في هذا الاتجاه، عليه أن يأخذ في الحسبان توجّهات مؤسسات صنع القرار في الجمهورية الإسلامية، وعلى وجه الخصوص اعتماده على توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي ووجهات نظره تجاه الغرب، وتحديداً أميركا وبريطانيا وغيرهما. فقائد الثورة وخلال لقائه أعضاء حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وجّه تحية إجلال خاصة له، قائلاً: "كان الشهيد رئيسي صريحاً في إظهار مواقفه إزاء المواقف السياسية، وكان قد أوضح أن مجال إقامة علاقة مع دولة معينة غير موجود في الأساس، وليس هناك ما يدلّ على إقامة علاقة معها". وكان خامنئي يقصد من ذكره دولة معينة، أي الولايات المتحدة، تنبيه بزشكيان إلى طبيعة العلاقة معها، وإلى ضرورة ألّا يكون غير مبالٍ. بل يمكن القول إن سبب إلغاء مقابلته الصحافية بعد إعلان نتائج الانتخابات يعود إلى اعتبارات كان يملكها المرشد، ويتوجب على رئيس الجمهورية الجديد أن يأخذها في الحسبان، وممكن أن تؤدي أي مقابلة صحافية مبكرة إلى تبعات في المستقبل لا يمكن معالجتها.
على هذا الأساس، ليس أمام بزشكيان أي خيار لإرضاء الشعب الإيراني، بمن فيهم من صوّتوا له أو صوّتوا لمنافسه في الانتخابات أو من لم يشاركوا، سوى الانفتاح في السياسة الخارجية، بهدف التخفيف من وطأة العقوبات. إلّا أن سهولة تحويل الأموال لن تجذب الاستثمار الأجنبي، وليس من شأنها أن تخفف التوترات والخلافات مع القوى المؤثرة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ثمة أنباء يتمّ تداولها بأن عباس عرقجي سيكون خيار الرئيس لحقيبة الخارجية، وهو الدبلوماسي المعروف الذي لا يواجه اعتراضات بشأن توليه هذا المنصب الوزاري. ولأجل تحسين العلاقة مع الغرب والدفع بالسياسة الخارجية نحو الأمام من قبل رئيس الجمهورية، فإن ذلك يحظى بدعم قائد الثورة وتأييده.