طهران - أمیر دبیري مهر
أيامٌ قليلة تسبق مراسم أداء الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان اليمين الدستورية، بحضور قائد الثورة وأمام رئيس مجلس الشورى الإسلامي وأعضائه. وتتجّه الأنظار إلى هذا المجلس المسؤول بدوره عن المصادقة على الأسماء المقترحة لحمل حقائب 26 وزارة ومؤسسة حكومية مهمّة في البلاد، والتي على الرئيس المنتخب أن يختارها، منها 19 وزيراً سيحتاجون إلى تصويت البرلمان لمنحهم الثقة، وستناط رئاستهم بمستشار الرئيس، الدبلوماسي والسياسي الإيراني المعروف محمد جواد ظريف.
وسيتمّ تعيين 5 شخصيات سياسية رؤساء للجان السياسة والاقتصاد والبنية التحتية والثقافة والمجتمع، إضافة إلى 5 مستشارين لكل وزارة ومؤسسة، يقدّمون مقترحاتهم للرئيس المنتخب.
ربما تكون هذه هي المرّة الأولى في إيران التي تخرج فيها عملية انتخاب وزراء الحكومة الجديدة من وراء الستار، ويكون واضحاً من هم المرشحون لملء المناصب في الوزارات والمؤسسات المهمّة والحساسة في البلاد، والذين سيمثلون البنك المركزي مثلاً والطاقة النووية وهيئة التخطيط والموازنة، والذين سيقدّمون مقترحاتهم لرئيس الدولة.
خلال أيام مضت، تعرّض ظريف لأشدّ الحملات الهجومية من ثلة من المتطرّفين السياسيين، إلى درجة أن بعضهم أهانه علناً أثناء صلاة الجمعة في طهران. ولفهم هذه الحالة التي قد تتفاقم أكثر في الأيام المقبلة وإدراك أبعادها، علينا ذكر الأسباب الآتية:
أولاً، بعض من معارضي ظريف هم في الحقيقة من معارضي الرئيس المنتخب، والذين عبّروا عن غضبهم من نتائج الانتخابات وعملية تصويت الناخبين، خصوصاً أن ظريف أدّى دوراً مهمّاً ومحورياً في فوز بزشكيان بهذه الانتخابات، وتأثر الرأي العام كثيراً باللقاء التلفزيوني الذي استمر 8 دقائق فقط، وتحدث فيه ظريف عن خطورة فوز سعيد جليلي في الانتخابات الرئاسية.
ثانياً، يُعتبر ظريف من الشخصيات الحوارية النشطة والدبلوماسيين المميزين في إيران، ممن لعبوا دوراً أساسياً في تظهير الاتفاق النووي في عام 2015. ولهذا، يرى معارضو هذا الاتفاق، أو تجار العقوبات الذين تنمو مصالحهم الاقتصادية من إطالة أمد العقوبات وحقّقوا ثروات طائلة خلال السنوات الأخيرة، أن ظريف يشكّل خطراً يهدّد مصالحهم الكبيرة. فقبل أربع سنوات، أي قبل الدورة الثالثة عشرة للانتخابات الرئاسية، طُرح اسم ظريف مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وأظهرت الاستطلاعات حينها أنه يحتل موقعاً متقدّماً عند الإيرانيين، فامتعض التيار المناهض للدبلوماسية، وأبدى قلقاً شديداً من ذلك، بل خطط عمليات منظّمة لمعارضته، بلغت ذروتها في بث تسجيل صوتي لاجتماع خاص صرّح فيه ظريف عن رأيه في قضايا مهمّة، بينها ما يخصّ روسيا وأميركا وأحداث محلية داخلية أخرى. استغل معارضوه هذا التسريب الصوتي للحيلولة دون مشاركته في الانتخابات، وهو ما حصل فعلاً.
ثالثاً، حدّت الطريقة التي اتبعها ظريف في المجلس لتسمية الوزراء كثيراً من حالات الضغط التي يمارسها السياسيون الذين يشاركون دائماً في تعيين الوزراء في الحكومة، وهؤلاء أيضاً من معارضي ظريف. ومثير للاهتمام أن بعضاً من الإصلاحيين هم في الوقت نفسه من معارضي ظريف. ولا ننسى أن ظريف لا يعدّ أصولياً ولا إصلاحياً، لكن أفكاره تتماشى مع من ينشدون التغيير في المجتمع الايراني.
رابعاً، ثمة فريق آخر يعارض ظريف بسبب طبيعة شخصيته. فمن المتعارف عليه اجتماعياً أن المقتدرين والخبراء والناجحين في أعمالهم والمؤثرين في عملهم، هم دائماً موضع حسد الفئات الاجتماعية الأخرى وحقدها، مع ما يترتب على ذلك من شيوع حالات الانتقام من هذه الشخصيات. وفي علم الاجتماع، يسمّون هؤلاء الأشخاص بالنخبة، وظريف هو أحد الأمثلة على ذلك التقليد الاجتماعي، والذي أتمنى ألّا يكون ضحية له.
لذا، لا بدّ من القول إن ظريف سيكون العامل المؤثر والحاسم في الحكومة الإيرانية في الفترة المقبلة. ومن خلال معرفتي الشخصية به، أعتقد أنه بعد تشكيل الحكومة، ومع اقتراب رئيس الجمهورية منه، سيكون حضوره في الساحة السياسية الداخلية واضحاً جداً. في أي حال، لجأت الحكومات الإيرانية المتعاقبة إلى حكمة ظريف وخبرته وصدقيته لتعزيز سياستها الخارجية وتوطيد علاقاتها بالعالم. ومن هذه الزاوية، يمكن فهم الدعم المستمر الذي يلقاه ظريف من لدن المرشد الأعلى.
في النتيجة یمکن القول أن جواد ظريف على الرغم من تمتعه بمواصفات الرجل السياسي المؤثر والمهم في إيران خاصة في المرحلة الانتقاليه التي تشهدها فإنه على علمي ان ظريف من المستبعد أن يكون ضمن حكومة بزشكيان القادمة، حتى وإن كان الرئيس يرغب به ويحتاج إلى خبرته سواء على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجيه وحتى أيضاً إن كان مقبولا من قبل قائد الثورة.