طهران - أمیر دبیري مهر
ابتداءً من 28 تموز (يوليو) 2024 الذي يصادف بحسب التقويم الشمسي الإيراني 7 مرداد 1403، أصبح من حق الدكتور مسعود بزشكيان ممارسة فعالياته وأنشطته باعتباره الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية في إيران.
بزشكيان لم ينل سوى حوالي 17 مليون صوت من أصل 61 مليون ناخب إيراني، لكنه طبقاً لقواعد العملية الديموقراطية يمثل غالبية الـ87 مليون مواطن إيراني، كرئيس لهم، سواء للذين صوتوا له أم صوتوا لمنافسه سعيد جليلي، أم لأولئك الذين لم يصوتوا له على الإطلاق والبالغ عددهم حوالي 30 مليون مواطن.
ولو ألقينا نظرة جادة على طبيعة الانتخابات التي جرت في إيران، فإنه يجب الإذعان إلى أن الذين لم يصوتوا قط لبزشكيان، لديهم مطالب يأملون تحققها، وإذا تم إهمالها فهذا سوف يؤثر على المستقبل السياسي للبلد، بل يمكن أن يعرضه لأزمات متعددة.
لذلك، يجب على الحكومة الجديدة الاهتمام بمطالب الشعب الإيراني عموماً، واعتبار مطالباته من الموضوعات الأساسية التي لا بد من التوقف عندها والاعتراف بها ومتابعتها منذ الأيام الأولى لعمل الحكومة، على أن يتم ذلك بالاعتماد على طبيعة الحقائق التي تحكم المجتمع الايراني وليس على أساس المحسوبية والتحزبية والفئوية.
في هذا السياق، ومن خلال إلقاء نظرة دقيقة على المضامين التي تتشكل لدى الرأي العام، وبخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي (المؤثرة)، يمكننا أن نستمد مجموعة من المطالب التي يأمل الشعب الإيراني تحققها على يد الرئيس الإيراني الجديد، وهي:
1. الإصلاحات الاقتصادية: تلك التي تتعلق بخفض التضخم وخفض الأسعار مقابل رفع الأجور وتطوير الأعمال بمجملها وتنميتها، علماً أن إيران التي تعتبر من الدول الناشئة أو الدول الحديثة في مجال التطورات، ليس فيها سوى 25 مليون مواطن من أصل 87 مليوناً ممن يعملون فعلياً. وهذا يدل إلى أنه، خلافاً للإحصاءات الرسمية، تعد نسبة العاطلين من العمل مرتفعة جداً. وما الإحصاءات المرتفعة لجرائم السرقة والاحتيال إلا دليلاً إلى ذلك.
وهذا يعني أن من بين كل ثلاثة أشخاص، هنالك شخص واحد يعمل ويحقق نشاطاً إنتاجياً، ولأجل رفع المستوى الإنتاجي وتحقيق مستوى رفاهي مرموق للبلد، لا بد من تحسين معدل العمالة وزيادة معدل الإنتاج المحلي والقومي. هذا لو علمنا أن معدل التضخم في إيران يبلغ حالياً حداً أدنى 40 في المئة، ما يشير إلى أن إيران تقع ضمن قائمة أكثر عشر دول في العالم تعاني التضخم. وبالتأكيد، فإن هذه المؤشرات أثارت استياء الشعب الإيراني إزاء الوضع الاقتصادي للبلد، ما يعني أيضاً أن الخطابات والشعارات والتقارير المرفوعة، كلها، لم تسعف كل الحكومات في الحد من تدهور الوضع الاقتصادي. وفي هذه الحال، لا يمكن القول سوى أن المطلب الأول والأهم للشعب الإيراني، يتمحور حول هذا المجال، وأن مدى نجاح الحكومة الجديدة أو فشلها إنما يتوقف على مدى تحقيقها هذا المطلب.
2. واستكمالاً للمطلب الأول، يمكن القول بأن الشعب الإيراني يدرك جيداً أن مشكلات إيران الاقتصادية لا تعود إلى أسباب اقتصادية بحتة، بل هي مرتبطة أيضاً بموضوع العقوبات المفروضة والتي تفاقمت أزمتها في الآونة الأخيرة، أكثر. لذلك، فإن المطلب الثاني للشعب الإيراني، وهو الأهم أيضاً، سيتمحور حول رفع العقوبات الأميركية المفروضة. فالعقوبات أثرت كثيراً على طبيعة النمو الاقتصادي في إيران، وحدّت بشكل واسع من عمليات تحويل رؤوس الأموال وحركتها في مجال الاستثمارات الأجنبية، بل تقليص تجارة إيران الخارجية، سواء مع دول العالم أم مع الشركات المستقلة الأخرى. ولكي ينتعش الاقتصاد الإيراني ويعاود التواصل مع الاقتصادات العالمية، لا بد من رفع هذه العقوبات التي تشكل العقبة الرئيسية.
وفي واقع الأمر، فإن تجارب العشرين سنة الماضية، وبخاصة السنوات الخمس الأخيرة منها، أظهرت أن ماكينة مستوى التنمية في إيران لن تدور طبيعياً ما لم تُرفع العقوبات عنها، بل يجب أن تكون هناك إجراءات تعمل على الإصلاح، وهذا ما يتوقعه الشعب الإيراني من الحكومة الجديدة.
3. بكل تأكيد هناك علاقة مباشرة تربط بين العقوبات المفروضة وسياسة ايران الخارجية وعلاقاتها الدولية، ما يعني أن محاولات رفع العقوبات لن تتم بسهولة ما لم تكن هناك علاقات دولية ودبلوماسية من شأنها أن تؤثر على تحقيق ذلك، وبالتالي ستحسن النمو الاقتصادي. هذا التصور يعكس مدى تأثير تغير طبيعة السياسة الخارجية وتنظيم العلاقات الدولية على رفع العقوبات وتداعياتها على الواقع الاقتصادي. وخير دليل إلى تأثير عدم رفع العقوبات، هو ما تواجهه إيران من نقص ما لا يقل عن عشرة آلاف ميغاواط من الكهرباء، بخاصة في هذا الصيف اللاهب.
إن الشعب الإيراني بات ينتظر من الحكومة الجديدة ما يضمن التفاعل الجاد والتواصل مع روسيا والصين، من جهة، ومن جهة أخرى، استئناف الحوار بالطرق الدبلوماسية مع دول الغرب، على وجه الخصوص ألمانيا وفرنسا وإنكلترا وأميركا، واتباع سياسة توازن إيجابي تضمن تحقيق المنافع الوطنية للبلد.
وللحديث بقية..