النهار

كيف تسخّر إسرائيل استخباراتها لتحقيق بعض أهدافها؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
ملاحظات أولية لاغتيال شكر وهنية
كيف تسخّر إسرائيل استخباراتها لتحقيق بعض أهدافها؟
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي اغتالته إسرائيل فجر الأربعاء اسماعيل هنية (أ ب)
A+   A-

شدد الجنرال الصيني صن تزو على أهمية جمع المعلومات المرتبطة بالميدان والعدو والظروف العامة للحصول على الأفضلية في المعارك. ودعا أيضاً في كتابه "فن الحرب" إلى استخدام الجواسيس للاستحصال على المعلومات الصحيحة ذات الصلة. فمن دونها، قد تصبح مزايا مثل الخطط والتفوق العددي محيّدة إلى حد بعيد عن معادلات القوة.

 

في الصراع بين إيران وإسرائيل، تبدو الأولى متفوقة إلى حد بعيد على مستوى جمع الاستخبارات. يمنحها ذلك إمكانات كبيرة للمبادرة في الحرب، لا للاكتفاء برد الفعل. فكلما كانت المعلومات الاستخبارية أدق، أمكن خفض ما يسميه المنظّر العسكري البروسي كارل كلاوزفيتز "ضبابية الحرب". بالتالي، يجعل التفوق الاستخباري اتخاذ القرارات الصعبة أكثر احتمالاً بما أن نجاحها يملك نصيباً أكبر من الفرص.

 

كيفية التعامل مع الأهداف

في غضون ساعات قليلة امتدت من مساء الثلاثاء إلى فجر الأربعاء، استطاعت إسرائيل اغتيال القائد العسكري الذي وُصف بأنه "الرجل الثاني" في حزب الله فؤاد شكر، كما رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية. حصل الاستهدافان في منطقتين شديدتي التحصين الأمني: الأولى في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، والثانية في طهران، العمق الاستراتيجي لكامل "محور المقاومة". بصرف النظر عن التداعيات الميدانية لهذين الاغتيالين، تبقى الضربتان قاسيتين أولاً على الصعيد المعنوي. فالقدرة الإسرائيلية على الاختراق تزداد دقة وتوسعاً كلما طالت الحرب.

 

يستدعي استهداف شكر تفكيراً في سيناريو محتمل. لقد كان المسؤول العسكري ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية لفترة طويلة. لكن إسرائيل أجّلت قرار الاغتيال إلى حين إقدام الحزب على اختراق "خط أحمر" بالنسبة إلى تل أبيب. حصل هذا "الانتهاك" حين سقط صاروخ على ملعب كرة قدم في بلدة مجدل شمس ضمن الجولان المحتل، مما تسبب بمقتل أكثر من عشرة أطفال. بينما نفى الحزب مسؤوليته عن إطلاق الصاروخ، تعهدت إسرائيل بالانتقام. فجأة، تحول شكر من هدف ممكن إلى هدف مؤكد لتل أبيب.

 
 
 

(مشاهد من الدمار في الضاحية الجنوبية لبيروت بعد استهداف القائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر - أب)

 

يسلط هذا السيناريو الضوء على كيفية تعامل مع إسرائيل مع أهدافها: هي قابلة لأن تغض الطرف عنها طالما أن ذلك يؤمن مصلحة إسرائيلية بالردع البعيد المدى. إذا سقط الردع – كما يفترضه انتهاك "الخط الأحمر" – تحولت إسرائيل من التهديد بالورقة إلى استخدامها. يبقى هذا السيناريو أكثر احتمالاً من تحول شكر بين ليلة وضحاها إلى هدف إسرائيلي بعد هجوم مجدل شمس، بما أن أعمال الرصد والمتابعة والإعداد والتنفيذ تستغرق وقتاً. لكن استخداماً كلاسيكياً للمعلومات الاستخبارية غير كاف وحده لتحويل الميزة إلى تفوق ملموس.

 

"جميع الحروب مبنية على الخداع"

هي نصيحة أخرى لصن تزو ربما عملت إسرائيل بموجبها قبل استهداف شكر. بعد سقوط الصاروخ على مجدل شمس، قال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي إنه تم تحديد اسم المسؤول الحزبي المسؤول عن الهجوم على البلدة: علي محمد يحيى. ليس واضحاً ما إذا كان تحديد هذا الاسم خدعة مقصودة لتركيز الحماية على المسؤول المفترض كي يشعر آخرون، ومن ضمنهم شكر، بأمان "نسبي" طالما أنهم خارج الحديث الإسرائيلي عن دائرة الانتقام. بالحد الأدنى، لدى فرضية الخدعة ما يبررها.

 

وتؤكد هذه الفرضية أهمية "الاستخبارات الصحيحة"، لكن أيضاً الأهمية الأكبر لكيفية استخدامها. ففيما عمد الشرق الأوسط والعالم إلى التساؤل عما إذا كانت المنطقة ذاهبة باتجاه حرب شاملة، قالت إسرائيل إنها أنهت هجومها، مرسلة إشارات إلى أنها أصبحت في موقع الاستعداد لرد انتقامي. فجأة، بدت تل أبيب كأنها في موقع المتلقي المستكين لأي ضربة مقبلة. كان ذلك خداعاً آخر على الأرجح. عند الساعة الثانية إلا ربعاً من صباح الأربعاء، تمكنت من اغتيال هنية، بواسطة صاروخ أطلق من غواصة على ما قاله أحد الصحافيين الإسرائيليين. صحيح أن هنية كان يشارك في حفل تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان، مع ما يعنيه ذلك من أن تتبعه في العاصمة قد يكون أسهل نظرياً من استهداف شكر. لكن يبدو أن عدم توقع طهران استهداف هنية أدى إلى منحها "حماية معيارية" له بحسب تقرير لـ "إيران واير". 

 

لقد تحرك الإسرائيليون بشكل متزامن بناء على معلومتين حرجتين. جعل هذا التزامن وقع الاغتيالين مضاعفاً. هو يضع كامل "المحور" تقريباً في موقف دفاعي. في الحروب، قد تكون نتائج "العمليات النوعية" أكبر من مجرد عملية حسابية لمجموع تلك العمليات.

 

ماذا عن رد فعل إيران؟

تدرك طهران أن تطوير استخباراتها سيكون حجر الأساس في الحرب مع تل أبيب، أكانت هذه الحرب عالية أم منخفضة الحدة. في الوقت نفسه، يدرك الإيرانيون أن الموارد الاستخبارية بيد تل أبيب والتي تحظى برافد إضافي من القوة الأميركية العظمى، هي أكبر من المتاح أمامهم. لكن لا بد من التعويض في مكان ما، على الأقل من الناحية الدفاعية. فبحسب "إيران واير"، كان وزير الاستخبارات الإيراني الأسبق علي يونسي قد حذر سنة 2021 من ضعف الأمن الإيراني وإمكانية تعرضه لخروقات خطيرة.

 
 
 

(أ ب)

 

ويعلم الإيرانيون أيضاً أن الحرب مع إسرائيل تحتاج إلى نقطة تركيز أخرى غير القوة الصلبة في ردودها. بحسب موقع "غلوبال فاير" المعني بتصنيف القوى العسكرية حول العالم وفق مؤشرات عدة، تحتل إيران مرتبة متقدمة على إسرائيل (14 مقابل 17). لكن هذا التفوق النظري لا يُترجم على الأرض. ليس الأمر أن استثمار عناصر القوة الصلبة، كأعداد الصواريخ أو المقاتلين، غير مجدٍ، لكن الاكتفاء باللجوء إليه عند كل منعطف لا يستطيع أن يثمر نتائج نوعية بشكل مستدام. يقال إن الإمبراطور الفرنسي والقائد العسكري الفذ نابليون بونابرت لم يخسر فقط بسبب الضعف المادي لجيشه (بعد الإخفاقات المتتالية من ترافالغار إلى موسكو)، بل أيضاً لأن نابليون افتقر للابتكار في نهاية مسيرته العسكرية.

 

بهذا المعنى، قد لا تكون قدرة إيران على الابتكار في الحرب ميزة إضافية. بل الميزة الحيوية التي لا بد منها لاستعادة التوازن في المدى المنظور.

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium