في أعقاب الحادث المزلزل المتمثل في اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، في طهران، تواجه إيران قراراً حاسماً حول كيفية الرد. هذا الحدث، الذي وقع في قلب العاصمة الإيرانية، لا يؤثر فقط على العلاقات بين إيران و"حماس"، بل يمكن أن يغيّر المعادلات الإقليمية والدولية بشكل جذري. وأثار هذا الاغتيال نقاشاً واسعاً في الصحافة الإيرانية حول السيناريوات المحتملة للردّ، تتراوح بين الدبلوماسية الحذرة والمواجهة العسكرية المباشرة.
عرضت صحيفة "دنياي اقتصاد"، في مقال تحليلي بعنوان "كيف ترد إيران على اغتيال هنية؟"، الخيارات المختلفة المتاحة أمام الجمهورية الإسلامية والتداعيات المحتملة لكل منها.
السيناريو الأول هو الرد الدبلوماسي. في هذه الحالة، تستخدم إيران إمكانيات المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي لإدانة هذا العمل. يمكن لهذا النهج أن يزيد الضغط الدولي على إسرائيل، لكنه قد لا يكون كافياً من وجهة نظر بعض الجماعات الداخلية.
السيناريو الثاني هو الرد العسكري المحدود. قد يشمل ذلك هجمات على مواقع إسرائيلية في سوريا أو لبنان. يمكن لمثل هذا الإجراء أن يرسل رسالة قوية إلى إسرائيل دون أن يؤدي إلى صراع واسع النطاق. ومع ذلك، هناك خطر تصاعد التوترات في المنطقة.
السيناريو الثالث هو الرد العسكري الواسع النطاق الذي قد يشمل هجوماً مباشراً على أهداف إسرائيلية. هذا الخيار يرسل أقوى رسالة لكنه يحمل خطر نشوب صراع واسع النطاق وردود فعل دولية.
السيناريو الرابع هو الرد غير المباشر من خلال تعزيز جماعات المقاومة في المنطقة. قد يشمل هذا النهج زيادة الدعم المالي والعسكري لجماعات مثل "حزب الله" اللبناني و"حماس".
بدورها، اقترحت صحيفة "إيران" في مقال بعنوان "الرد على اغتيال هنية بتعزيز الرابط بين الميدان والدبلوماسية" نهجاً مختلطاً. جادلت الصحيفة بأنّه يجب على إيران استخدام القدرات الدبلوماسية لإدانة هذا العمل على المستوى الدولي وتعزيز التعاون مع جماعات المقاومة في المنطقة في الوقت نفسه. وأكّد المقال على ضرورة استخدام إيران لقدراتها الدبلوماسية لإدانة هذا العمل في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي،كما اقترح أن تسعى لكسب دعم دول المنطقة والعالم الإسلامي. في الوقت نفسه، أعربت الصحيفة عن اعتقادها أنّ على إيران تعزيز تعاونها مع جماعات المقاومة في المنطقة، ويشمل ذلك زيادة الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي لهذه الجماعات، واعتبرت أنّ هذا النهج يمكن أن يزيد الضغط على إسرائيل دون تورّط طهران بشكل مباشر.كما أكدت صحيفة "إيران" على أهمية الحفاظ على الاستعداد العسكري للرد المحتمل، لكن هذا الرد يجب أن يكون مدروساً وفي الوقت والمكان المناسبين.
أما صحيفة "كيهان" فدعت بلهجة أكثر حدة إلى ردّ حازم، وفي مقال بعنوان "استشهاد هنية وآفاق محو إسرائيل" قالت إنّه يجب على إيران استغلال هذه الفرصة لإضعاف موقف إسرائيل، ونقلت عن مسؤول عسكري رفيع قوله: "سيكون ردنا على هذه الجريمة ساحقاً ومؤلماً". جادل المقال بأنّ الردّ يجب أن يكون بطريقة تردع العدو عن تكرار مثل هذه الأعمال، وشملت الاقتراحات شنّ هجوم مباشر على المواقع الإسرائيلية وزيادة كبيرة في الدعم لجماعات المقاومة الفلسطينية. واعتقدت "كيهان" أنّ هذه فرصة لإيران لتوجيه ضربة خطيرة لإسرائيل وتغيير توازن القوى في المنطقة.
لكن صحيفة "اعتماد"، اقترحت في مقال بعنوان "إطلاق النار على الإصلاحية والتفاعل الدولي" نهجاً أكثر حذراً، إذ حذّرت من أنّ الرد العنيف قد يعرّض جهود إيران لتحسين العلاقات الدولية للخطر. واعتبر المقال أنّه يجب على طهران إيجاد طريقة للرد دون تصعيد التوترات الإقليمية مع إظهار موقف حازم للبلاد في الوقت نفسه. واقترحت "اعتماد" أن تستخدم إيران القدرات الدبلوماسية والقانونية الدولية وأن تزيد الضغط على إسرائيل من خلال حلفائها الإقليميين بدلاً من العمل العسكري المباشر.
بدورها، أشارت صحيفة "رسالت"، في مقال بعنوان "رد مؤلم قادم"، إلى احتمال رد قوي. وجادل المقال بأنّ رد إيران يجب أن يكون بطريقة لا تنتقم فقط من هذا العمل، بل تردع العدو أيضاً عن القيام بأعمال مماثلة في المستقبل. واقترحت الصحيفة أن يشمل الرد إجراءات عسكرية مباشرة أو غير مباشرة، كما أكدت على أهمية إظهار قوة وإرادة إيران، معتبرة أنّ هذه فرصتها لإظهار قدراتها العسكرية والاستراتيجية.
وطرحت صحيفة "جوان"، في مقال بعنوان "اغتيال جبان من أجل البقاء"، سيناريو تعزيز محور المقاومة. واعتبرت أنّ رد إيران يجب أن يشمل تقوية جماعات المقاومة في المنطقة وزيادة الضغط على إسرائيل من خلال هذه الجماعات.
واقترحت صحيفة "آرمان ملي"، في مقال بعنوان "نتنياهو يستخدم نظرية الأزمة ضد الأزمة"، سيناريو الرد الذكي. وجادلت الصحيفة بأنّه يجب على إيران استغلال هذه الفرصة لفضح سياسات إسرائيل وكسب الدعم الدولي، دون الدخول في مواجهة مباشرة.
من جهتها، طرحت صحيفة "هم ميهن"، في مقال بعنوان "إيران لا تسعى إلى مواجهة مباشرة"، سيناريو الرد غير المباشر. وكتبت الصحيفة أنّه من المحتمل أن ترد طهران على هذا العمل من خلال حلفائها الإقليميين وبدون مواجهة مباشرة.
واعتبرت صحيفة "ابتكار"، في مقال بعنوان "تاريخ فلسطين لا ينتهي باغتيال هنية"، أنّه يجب تعزيز الحركة الفلسطينية. واقترحت الصحيفة أن تركّز إيران على دعم الشعب الفلسطيني وتقوية حركة المقاومة، بدلاً من الإجراءات الانتقامية المباشرة.
إنّ تنوع السيناريوات المطروحة في الصحافة الإيرانية يعكس تعقيد الموقف الذي تواجهه إيران. فمن ناحية، هناك ضغط داخلي للرد بقوّة على ما يُعتبر اعتداءً صارخاً على السيادة الإيرانية. ومن ناحية أخرى، هناك إدراك للعواقب الدولية المحتملة لأي رد متهوّر. وبين هذين الاعتبارين، تسعى إيران إلى إيجاد توازن دقيق يحقق أهدافها الاستراتيجية دون المخاطرة بتصعيد غير محسوب.
وفي النهاية، سيكون للقرار الذي تتخذه إيران تأثير عميق ليس فقط على مستقبل العلاقات الإيرانية-الفلسطينية، بل أيضاً على الديناميكيات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط. وبغض النظر عن الخيار الذي ستتبناه، فإنّ هذا الحدث يُمثّل نقطة تحوّل محتملة في السياسة الخارجية الإيرانية وقد يعيد تشكيل خريطة التحالفات في المنطقة لسنوات مُقبلة.