طهران - أمیر دبیری مهر
صفحة جديدة من التوتر بدأت بين إيران وإسرائيل يوم السبت 27 تموز (يوليو) الماضي، منذ سقط صاروخ تسبب في قتل عدد من الأطفال في الجولان السوري المحتل. وبينما نفى حينها "حزب الله" تورطه في الحادث، توجّهت إسرائيل إلى تنفيذ عمليتين خطيرتين متزامنتين، الأولى اغتيال فؤاد شكر، أحد قادة "حزب الله"، في هجوم صاروخي على ضاحية بيروت الجنوبية، والثانية اغتيال اسماعيل هنية، بعد حفل تنصيب مسعود بزشكيان رئيساً لإيران. وكان هنية قد حضر للمشاركة في حفل التنصيب، فتمّ الاغتيال في مقر إقامة هنية مساء الثلاثاء في العاصمة طهران.
طبعاً، ثمة أحداث عدة ساهمت في أن تتصدّر المنطقة أهم العناوين في العالم، ومنها على وجه الخصوص تزايد حدّة الاحتجاجات والانتقادات الدولية للأفعال المشينة التي تمارسها اسرائيل بإبادتها الجماعية في غزة، والتي تجاوزت نتيجتها 40 ألف قتيل. عدد الضحايا وضع بنيامين نتنياهو في قفص الاتهام، بعدما وصفه الرأي العام بأنه مجرم حرب، فراح بدوره يبحث عن ذرائع تخلّصه مما يواجهه، فحاول لفت أنظار العالم إلى قضايا أخرى، وكانت بينها فكرة واقعة مجدل شمس في الجولان، بفرصةً جيدة للتذرّع بمهاجمة بيروت واغتيال هنية في وقت واحد.
على الرغم مما قام به نتنياهو، فتنفيذ مآرب إسرائيل الأخرى ليس بهذه السهولة، ذلك أن إيران أعلنت أنها لن تقف مكتوفة اليدين في مواجهة ما فعلته إسرائيل. لذا، نتطرق هنا إلى بعض ردّات الفعل المحتملة من إيران على ما قامت به إسرائيل:
1 –تؤدي إيران دوراً مهمّاً في تنسيق التحركات الاجتماعية المناهضة للصهيونية، من خلال الطرق الديبلوماسية والإعلامية. وهذا يعني أنه في حال نشوب حرب بين إسرائيل و"حزب الله"، ممكن جداً أن تعزز هذه الطرق تقارباً عالمياً ضدّ إسرائيل، بل ربما يؤدي الضغط المتواصل إلى سقوط حكومة نتنياهو التي تحظى بدعم كبير من اليهود في فلسطين، ناهيك عمّا اتخذته محكمة العدل الدولية من مواقف قانونية إزاء ما ترتكبه إسرائيل من جرائم.
2- تؤدي إيران دوراً محورياً ضمن "المقاومة الإسلامية" ضدّ إسرائيل في الشرق الأوسط منذ أمد بعيد. واليوم، أصبحت طهران، بقدراتها التنسيقية واللوجستية، أكثر تنسيقاً بين أطراف محور المقاومة. فهذا التنسيق لم يعد متوقفاً على تشكيل معين أو شخص واحد مثلاً. وعلى هذا الأساس، نرى أن "حزب الله" يلعب دوراً مميزاً هو الآخر، بل وأكثر أهمية بين فصائل المقاومة الأخرى، ما يعني أن للمواجهة مع محور المقاومة عواقب وخيمة على إسرائيل.
3- كشف الردّ الصاروخي الإيراني على إسرائيل بعد الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، عن عدم تخوف طهران أو تردّدها في مواجهة إسرائيل عسكرياً، بل يمكنها أن تواجهها شديداً في عقر دارها إذا استوجب الأمر. وبعد اغتيال هنية، يبدو أن الردّ العسكري على إسرائيل سيكون قاطعاً، ولا شك في ذلك.
4- تعتقد الحكومة الجديدة في إيران أن إسرائيل تسعى، باغتيالها هنية بعد ساعات من تنصيب بزشكيان رئيساً، إلى تعطيل التفاعل الإيراني مع المجتمع الدولي لخفض حدّة الصراعات الخارجية. وبهذا، ترى طهران أنه من واجبها ألّا تترك ما تقترفه إسرائيل من دون ردّ، لكن ليس في ملعب إسرائيل. فأن التصعيد العسكري لا يصبّ في مصلحة إيران أبداً، خصوصاً لو نظرنا إلى أن اميركا تساند إسرائيل وتقف إلى جانبها فيما إذا استمر الصراع.
5- الجدير بالذكر، أن إسرائيل اليوم أضعف مما سبق بالنسبة إلى الرأي العام العالمي. ولذلك، لا بدّ من أن يأتي الردّ الإيراني من دون أن يعيد إلى هذا الكيان مكانته الدولية، إنما ضروري العمل على إضعافه أكثر.
6- بعد اغتيال هنية، شاع في إيران أن إسرائيل قادرة على اختراق الأنظمة الأمنية الحكومية، أي أن الاغتيال نتج من ضعف الاستخبارات الإيرانية. بناءً عليه، يجب العمل على إعادة هيكلة الجهاز الاستخباري في إيران. إلى ذلك، يشكّل تحديد هوية شبكة التجسس المحتملة ومعاقبتها ضربة قوية لإسرائيل.
7- في أي شكل من أشكال الردّ الإيراني على إسرائيل، لا بدّ من مراعاة سقف أو حدود مبادئ القانون الدولي، وإلّا تنعكس الصورة السلبية التي يرسمها الرأي العام العالمي لإسرائيل اليوم على إيران نفسها.
8- تعلم إيران أن هنية لم يكن رئيس دولة، بينما إسرائيل دولة عضو في الأمم المتحدة. وهذا يعني بشكل طبيعي ألّا يواجه ردّ إيران العسكري صمتاً دولياً، إنما ستواجه إيران تحشيداً للرأي العام ضدّها، ولهذا يجب أن يوجّه الردّ نحو رؤوس ساسة الكيان الإسرائيلي.
9- من الأفضل ألّا ينطلق ردّ إيران العسكري من أراضيها، إنما يجب توظيف قوى المقاومة في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين، والاستفادة القصوى منها، بطريقة تجعل الحرب ضدّ نتنياهو نفسه، لتدميره وإسقاط حكومته.
وما على الجميع إلّا الترقب، وانتظار ما ستؤول إليه الأمور لاحقاً.