طهران - أمیر دبیری مهر
مرّ نحو 10 أيام على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، ووعد قائد الثورة الإسلامية بالثأر لدمه، وهو الذي اغتيل يوم كان ضيفًا على إيران.
بعبارة أخرى، ينتظر المجتمع الإيراني والمراقبون الدوليون ردّاً كالذي أقدمت عليه طهران في 13 نيسان (أبريل) المنصرم، حين استهدفت اسرائيل بالصواريخ، في عملية عسكرية أطلقت عليها إيران اسم "الوعد الصادق". وفي ما يخصّ الردّ المحتمل هذا، يرجح عامة الناس أن نسبة تنفيذه مرتفعة جداً، إلى درجة أن سوق الأوراق المالية تراجعت بمقدار 100 ألف وحدة خلال يومين فقط، ما يعني خروج نحو 2,5 مليون دولار من بازار طهران، الذي يحتكم على نحو 150 مليار دولار كرأس مال متداول. وانعكس القلق السائد أيضاً على بورصة الذهب التي شهدت ارتفاعًا في تعاملاته بسبب مخاوف ناشئة من إعلان حرب إقليمية خطيرة ومدمّرة.
في مقابل هذه المخاوف، تتجنّب مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية ووسائل الإعلام التابعة لها في عموم إيران، الحديث عن أسباب القلق عند الإيرانيين، حتى إنها تسعى من خلال إجراء مقابلات مباشرة مع شرائح معينة من المجتمع الإيراني، إلى إظهار إجماع إيراني على ضرورة الهجوم العسكري على إسرائيل، وأن الإيرانيين يعدّون الدقائق بانتظار تنفيذ الردّ.
لكن، إن تصفحنا مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها المجموعات أو القنوات الإخبارية والتحليلية المتشكلة في هذه المواقع، نلمس خوفاً من احتمال نشوب الحرب، حتى إن المنتسبين إلى هذه المجموعات يبدون ميولاً إلى عدم الولوج في حرب واسعة خطيرة، لا يرون أن خوضها ضرورة، خصوصاً أن ظروف إيران الاقتصادية ليست مهيأة بشكل كامل لخوض مثل هذه الحرب، وما ترتبه من تكاليف باهظة جداً، وما ستخلّفه من عواقب دولية أكبر.
طبعاً، لا يمكن إغفال ما اقترفته إسرائيل من جرائم بحق إيران في السنوات الأخيرة، مثل قيامها باغتيال علماء نوويين وضرب قطاعات صناعية مهمّة، إضافة إلى تدميرها القنصلية الإيرانية في دمشق، ناهيك عن هجمات عسكرية على المواقع الإيرانية في سوريا. والأسوأ من هذا كله، النشاط السياسي والإعلامي والدعائي الإسرائيلي التشويهي لصورة إيران في الساحة الدولية.
هذا، وقد ولّدت زيادة العقوبات على إيران موجة واسعة من الغضب والنفور لدى الشعب الايراني، إزاء أفعال حكومة إسرائيل وشخص رئيسها بنيامين نتنياهو بالذات، إلى درجة أن المجتمع الإيراني يرى أن نتنياهو هو المسؤول الأول عن كل الأفعال العدائية التي قام بها ضدّ إيران. وعلى الرغم من ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أن الشعب الإيراني يعادي الشعب اليهودي والدين اليهودي، بل يدرك جيداً أن اليهودية دين سماوي، وإن اليهود أقلية تتمتع بحقوقها في إيران ويعترف بها الدستور الإيراني، ولليهود نائب في البرلمان الإيراني.
بالمناسبة، الأقلية اليهودية في إيران هي في الحقيقة من الشرائح الغنية جدًا في المجتمع الإيراني، يتمتع أفرادها بحرّياتهم الشخصية، وهاجر بعضهم إيران بعد الثورة الاسلامية إلى بلدان أخرى لتحقيق مقاصده التجارية.
جديرٌ أن نذكر هنا، أن المجتمع الإيراني متعدد الجنسيات ومتنوع الأقليات، والتحدث باسم الشعب الإيراني كله أمر خاطئ، فبعض شرائحه يأمل في أن تبادر القوات العسكرية للجمهورية الإسلامية باتخاذ إجراءات قاسية بحق إسرائيل، كي لا تتجرأ على التمادي وضرب إيران عسكريًا وأمنيًا. وهذه شرائح تمتلك أدوات كثيرة تستخدمها للضغط على الحكومة لتحقيق مطالبها.
وثمة شريحة تعتقد أن ما تقوم به اسرائيل، في أعمالها الإرهابية والتخريبية المشينة في إيران، تعتمد على جواسيسها في دوائر الدولة، وأفضل ردّ على إسرائيل، في هذه الحالة، يكمن في النيل من هؤلاء الجواسيس بمتابعتهم وتطهير دوائر الدولة منهم. وهذا بذاته أقسى ردّ بدلاً من الردّ العسكري. وهناك أيضاً مجموعات في ايران لا تؤيّد نشوب حرب أو حدوث مواجهات عسكرية مع اسرائيل، لكنها ترى في الوقت نفسه أن المواجهة العسكرية هي ردّ رادع يصبّ في صالح إيران وأمنها القومي.
ويبدو أن صبر الجمهورية الإسلامية في إيران وتأخّرها في الردّ على إسرائيل، يعود إلى اعتبارات ومبادئ قانونية متعارف عليها دوليًا، وإلى وجهات نظر الشرائح المتنوعة والمتعددة في الداخل الإيراني، خصوصاً أن عملية اغتيال هنية تمّت يوم بدأ مسعود بزشكيان ممارسة مهامه رئيساً جديداً لإيران، وهو الذي وعد ناخبيه وغير ناخبيه بأن يمثل صوت الشعب الإيراني بأجمعه، سواء على صعيد السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، أو العمل على الحدّ من آثار العقوبات الأميركية المفروضة على الشعب الإيراني.