بعد أسبوع على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، في طهران، أعلنت الحركة التي تعدّ أهم منظمة عسكرية في غزة، يحيى السنوار البالغ من العمر 62 عاماً رئيساً جديداً لمكتبها السياسي. بين قادة "حماس"، يعدّ هذا الرجل الأكثر أماناً بالنسبة إلى إيران، وهو الذي قضى نحو 22 عاماً من حياته في سجون الاحتلال، وكان رئيساً للحركة في غزة، وعُرف عنه أنه مهندس عملية "طوفان الأقصى"، إلى جانب محمد الضيف، في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
رحّب حلفاء "حماس" في المنطقة، مثل "حزب الله" في لبنان و"الحوثيين" في اليمن و"المقاومة الإسلامية" في العراق وباقي فصائل المقاومة في فلسطين، باختيار السنوار رئيساً لـ"حماس". ولقي هذا الاختيار ترحيباً أوسع نطاقاً في إيران، أتى من السلطات العسكرية والسياسية والأمنية.
ولكن!... من شأن ردة الفعل الرسمية الإيرانية الإيجابية وحماستها لرئيس "حماس" الجديد، أن تثير تساؤلات مهمّة: "ما هو الفرق بين هنية والسنوار في عيني إيران؟ وهل هذان الزعيمان متشابهان تماماً، أم هناك اختلافات بينهما؟ ولماذا أبدت الجمهورية الإسلامية رضاها الكبير على اختيار السنوار؟".
للإجابة عن هذه التساؤلات، يمكن القول إن هنية كان شخصية أكثر ديبلوماسية من غيره في مراحل التفاوض والتفاعل، وربما كانت إقامته في الدوحة بقطر ما يعلّل ذلك. فقد سبق أن أطلق أكثر من مبادرة بشأن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة بوساطة سعودية وقطرية، إلّا أن السنوار لم يوافقه في هذا الاتجاه. فلا خيار عند السنوار تجاه العدو المحتل إلّا خيار السلاح، أي إنه لا يؤمن بالحوار والتفاوض، إنما يؤمن تماماً بفكرة تدمير إسرائيل ومحاربة النظام الصهيوني.
بمعنى آخر، يمكن القول إن وجود السنوار على رأس المكتب السياسي في "حماس" يشكّل خطراً أكبر على إسرائيل، أكثر مما شكّله وجود هنية.
على هذا الأساس، سهل أن نفهم أن آلة الإرهاب في إسرائيل فقدت ذكاءها، وتفعل ما من شأنه أن يلحق الأذى بشعب الكيان المحتل ودولته، ويمكن اعتبار هذه القضية أحد أسباب نشوء المعارضة الواسعة النطاق ضدّ حكومة بنيامين نتنياهو.
ربما يكون اغتيال هنية، بوصفه زعيماً فلسطينياً معتدلاً، هو ما أدّى إلى صعود السنوار إلى صدارة المشهد في "حماس، وهو مَن لم يعش في الدوحة، إنما عاش تحت غزة، في أنفاق ما زالت إلى اليوم تمثل كابوساً يجثم على صدر الكيان الصهيوني.
كانت هذه الخصائص التي يتمتع بها السنوار سبباً لأن تعتبره الجمهورية الإسلامية في إيران خياراً أفضل من هنية في مواجهة إسرائيل، فسياسته وطريقته ونهجه أقرب إلى سياسة إيران وطريقتها ونهجها، أي السياسة التي لا ترضى إلّا بتدمير إسرائيل.
ويُذكر أن قائد الثورة في الجمهورية الإسلامية قالها صراحة في إحدى خطبه: "لا بدّ ألّا يشهد النظام الصهيوني السنوات العشرين المقبلة". ودعماً لهذا الموقف، نُصبت شاشة عداد تنازلي في إحدى ساحات طهران، تحصي الأيام الباقية من عمر دولة إسرائيل.
مع تسلم السنوار رئاسة المكتب السياسي في "حماس"، من شأن العلاقة بين إيران - التي تستغيث بدماء هنية – و"حماس" أن تترسخ، ومن شأن تعاونهما أن يتصاعد ضدّ إسرائيل. وبالتالي، ستكون العلاقة بين "حماس" التي تدين بالمذهب السنّي و"حزب الله" اللبناني الذي يدين بالمذهب الشيعي، ستكون أفضل وأوثق.