بعد فوز مسعود بزشكيان في انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران، توقع الإيرانيون أن يعلن عن حكومته في يوم أدائه اليمين الدستورية أمام البرلمان، في 30 تموز (يوليو) الفائت. إلا أنه صرف أسبوعين في اختيار نواب ومستشارين له، إلى أن أعلن في 11 آب (أغسطس) الجاري عن تشكيلة حكومية من 19 وزيراً طال انتظارها. وربما سيطول الانتظار أكثر حتى يمنحها البرلمان ثقته. ويرد المراقبون هذا التأخير إلى أن يد الرئيس الجديد لم تكن طليقة في اختيار وزرائه، بل تم ذلك خلف أبواب مغلقة، بعد جولات من المشاورات والمساومات.
وإذ أعلن الرئيس عن أسماء وزرائه، تأكدت تحليلات المراقبين. فمن طالبوا بحصة في السلطة في المفاوضات التي جرت خلف الكواليس، نالوا مرادهم ونجحوا في عقد اتفاقات مع الرئيس الجديد. فعلى سبيل المثال، عاد إلى التشكيلة الجديدة ثلاثة من وزراء حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي: وزير الطاقة ووزير الاستخبارات والأمن الوطني، وثالث تبوأ منصب نائب رئيس الجمهورية، ورئيس منظمة الطاقة النووية.
ونلاحظ أيضاً اختيار اسكندر مؤمني وزيراً للداخلية، وهو ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني شغل منصب الأمين العام للجنة مكافحة المخدرات وكان قائداً سابقاً للشرطة والمسؤول عن التعامل مع انتفاضة الحجاب، خلفاً لأحمد وحيدي، وهو أيضاً أحد كبار قادة الحرس الثوري في إيران. كما تم اقتراح اسم علي رضا كاظمي وزيراً للتعليم.
يبدو أن هذه الوجوه لن تلبي مطالب من انتخبوا بزشكيان رئيساً. الخيار الوحيد الذي يمكن ألا يجافي التوقعات، إلى حد ما، هو تعيين فرزانه صادق وزيرةً للمواصلات والتنمية. فهي وستار هاشمي، وزير الاتصالات المقترح، هما الوحيدان اللذان لم يبلغا الخمسين، فيما تجاوت أغلبية الوزراء المقترحين منتصف العمر. كما لا نرى في التشكيلة المقترحة أثراً للأقليات الدينية والأسماء الشبابية، ولا للشخصيات التي وعد بها بزشكيان وانتظرها المجتمع الإيراني طويلاً، ومن أجلها انتخبه ناخبوه، لكن أغلب المقترحين من المحافظين.
هذا ما دفع أحد منتقدي الحكومة العتيدة إلى القول: "وعد بزشكيان باستقطاب وجوه وزارية جديدة، لكنه قدّم أشخاصاً يخالفون ما وعد به، وهذا غير منصف!". في المقابل، قال مالك شريعتي، النائب المتشدد في البرلمان وأحد مؤيدي سعيد جليلي، الذي نافس بزشكيان على الرئاسة: "أربعة من هؤلاء الوزراء على الأقل لن ينالوا ثقة البرلمان".
كذلك، تكشف استقالة محمد جواد ظريف من منصبه نائباً لرئيس الجمهورية للعلاقات الاستراتيجية، بعد عشرة أيام فقط من تعيينه، أن توقعات أقرب المقربين من الرئيس بشأن التشكيلة الوزارية لم تصدق. فظريف الذي كان مسؤولاً عن اقتراح أسماء الوزراء كتب معللاً استقالته بأن بين أسماء 19 وزيراً في التشكيلة الوزارية، 10 فقط اقترحتهم اللجنة التي كلفها الرئيس مهمة اختيار الوزراء وحقائبهم.
تعتقد بعض فئات الشعب الإيراني أن بزشكيان سياسي براغماتي معتدل، أي يريد تشكيل حكومته بمواجهة الحد الأدنى من التحديات، ليسعى بعد ذلك إلى الوفاء بوعوده، ويساعده في ذلك نواب اختارهم قبل أيام من شخصيات تقدمية. لكن، حتى إن صدقت هذه التوقعات المتفائلة، يرجح المراقبون ألا يفي بزشكيان بأكثر من 20 في المئة من وعوده الانتخابية، وتحديداً إدخال تغييرات إصلاحية على البنية السياسية القائمة في إيران.
بالمنطق، كي يعلن رئيس جمهورية إيران عن حكومته، عليه إنجاز ترتيبات تنسيقية لازمة مع قائد الثورة علي خامنئي أولاً، ومع المؤسسات الأمنية والاستخبارية والمحاكم والبرلمان ثانياً، كي يضمن حصول تشكيلته على الثقة البرلمانية، وإلا يواجه عراقيل صعبة في بداية مسيرته.
لا تكمن الأهمية في الشريحة الاجتماعية التي ستمنح الحكومة العتيدة ثقتها، سواء كانت مرنة أم متشددة، لكن تكمن الأهمية في تأثير هذه الحكومة على مستقبل إيران، وفي تلبية رغبات الرأي العام الإيراني الذي يتألف من 17 مليوناً صوتوا لبزشكيان، إضافة إلى 32 مليوناً لم يصوتوا له، أي ما مجموعه 80 في المئة تقريباً من إجمالي عدد الناخبين. فهؤلاء لن يكونوا راضين عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في البلد، بعدما نادوا طويلاً برفع العقوبات الاقتصادية عن بلادهم، وخفض نسبة التضخم، وتحسين فرص العمل، وتعزيز الحريات الاجتماعية.
يظن قسم كبير من الإيرانيين أن تشكيلة بزشكيان قد تنال ثقة البرلمان، لكنها لن تلبي متطلبات أغلبية شرائح المجتمع الإيراني، الذي سيعيش القلق والارتباك حتى الأربعاء 21 آب (أغسطس)، يوم جلسة الثقة البرلمانية.