لم تمضِ ساعات على اقتراح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أسماء 19 وزيراً لينالوا ثقة البرلمان، بعدما اختارهم بالتشاور مع وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف الذي ترأس المجلس الذي أنيطت به مهمّة اختيار الوزراء الجدد، حتى غرّد ظريف على حسابه في "إكس" معلناً استقالته ومغادرته منصبه نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية.
لا شك في أن إقدام ظريف على الاستقالة إشارة إلى أن الأسماء المقدّمة إلى البرلمان ليست في الحقيقة الأسماء التي اقترحها المجلس. وهذا يعني أن آراء خبراء المجلس لم تؤخذ في الحسبان كما توقّع ظريف. وهو نفسه لمّح إلى أن 9 من الأسماء المقدّمة إلى البرلمان تأتي من خارج القائمة التي اقترحها.
ولا يمكن التغاضي عمّا بذله ظريف من جهد دؤوب ليفوز بزشكيان بالرئاسة في إيران، فكان بديهياً أن يكون هو نائبه حين فاز. وعلى الرغم من أن المنصب الذي تبوأه هو - بحسب الإطار الهيكلي للسلطة في إيران – منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في إيران، فإن سلطاته لا تتناسب مع ما يتمتع به نائب الرئيس في الولايات المتحدة من سلطات، مثلاً.
ففي إيران، منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية مسؤولية إدارية كبيرة جداً. وفي ثمانية أعوام قضاها ظريف في وزارة الخارجية، بين عامي 2013 و2021، ما كان أداؤه متناسباً مع منصبه. وعلى الرغم من ذلك، ومنذ الأيام الأولى لتنصيب بزشكيان رئيساً لإيران، عيّنه نائباً له للشؤون الاستراتيجية، وأوكل إليه مسؤولية إدارة مركز البحوث الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية.
كانت الامتيازات الممنوحة لظريف تشير إلى أنه سيكون رجل الظل وصانع القرار في حكومة بزشكيان، فأتت استقالته مفاجأة تثير تساؤلات كثيرة. وثمة من يقول "لو لم يستقل ظريف، لما واجهت الأسماء الـ19 المقترحة هذه الانتقادات الحادة". ويعتقد كثيرون أن ظريف - ربما - أدرك مبكراً أن بزشكيان الرئيس مختلف جداً عن بزشكيان المرشح الرئاسي، فآثر الحفاظ على شعبيته ورأس ماله الاجتماعي بالعودة إلى مزاولة البحث والتدريس في جامعة طهران.
أثار معارضو ظريف، وأحدهم البرلماني حميد رسايي، مسألة حمله جنسية أخرى غير الإيرانية، لذا لا يستطيع أن يشغل منصباً حساساً في الدولة. لكن ظريف نفى ذلك بشدة، مؤكّداً أنه أو أي من أفراد عائلته لا يحمل جنسية أخرى، ولا يملكون ممتلكات خارج إيران، وهو في الأصل ممنوع من دخول الولايات المتحدة وكندا بسبب العقوبات الدولية.
في كل الأحوال، ألحقت استقالة ظريف السريعة، والحكومة لم تتشكّل بعد، ضرراً برئيس الجمهورية الذي حاول هاتفياً أن يثني نائبه عن الاستقالة فلم يفلح. لكن، يتساءل مقرّبون من بزشكيان: "إن كان نائب رئيس الجمهورية، وهو العنصر الأكثر نشاطاً وحركة، قد غادر قطار الحكومة في أول محطة، إذ لم يرضَ عن عملية تسمية الوزراء، فما كنا نتوقع منه في محطات تالية؟". ومن هذا التساؤل نفسه، يتوقع بعضهم ألّا تعمّر حكومة بزشكيان الأولى طويلاً.
لا مفرّ من الاعتراف بأن ردّات الأفعال السريعة بعد الإعلان عن الأسماء المقترحة للتشكيلة الوزارية واستقالة ظريف شغلت حيزاً واسعاً في شبكات التواصل الاجتماعي والفضاء الافتراضي. إلّا أن ثمة عوامل ساهمت في تقليص حجم الانتقاد الذي وُجّه إلى بزشكيان، في مقدّمها موقف السيد محمد خاتمي، زعيم التيار الإصلاحي في إيران والمؤيد للرئيس الجديد، وتصريحات الرئيس نفسه مباشرة أو تغريداً على "إكس"، وآراء أدلى بها مؤثرون في الرأي العام الإيراني، دعوا فيها إلى التحلّي بالصبر والواقعية، وانتظار ما ستنجزه الحكومة قبل إطلاق الأحكام عليها.
لكن، إن كان ثمة من يظن أن استقالة ظريف السريعة وجّهت أول ضربة إلى حكومة بزشكيان، ولا تشفع بعدها تغريدات ولا توضيحات، فيجب ألّا ينسى أن ظريف استقال من وزارة الخارجية ثلاث مرّات في عهد الرئيس حسن روحاني. وهذا يكشف لنا أن هذا الديبلوماسي البارز هو في الحقيقة ضعيف لا يقوى على مواجهة التوتر السياسي. ولعلّ هشاشته هذه كانت وراء رفضه خوض السباقات الرئاسية في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين.