النهار

لماذا تتردّد إيران حيال الانتقام لهنيّة؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
3 عوامل على الأقل قد تلعب دوراً في ذلك
لماذا تتردّد إيران حيال الانتقام لهنيّة؟
إيرانيتان تمرّان بالقرب من صورة ضخمة لإسماعيل هنية في طهران (رويترز)
A+   A-

بعد مرور نحو شهر على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، اختارت إيران عدم الرد لغاية اليوم، بالرغم من تصريحات قادتها الذين تعهدوا بالانتقام.

 

صدرت تبريرات عدة لهذا التأخير تراوحت بين ادعاء طهران خوض "حرب نفسية" ضد تل أبيب وحرصها على عدم عرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب قول إن الرد بحاجة إلى تخطيط متأنٍ. إحدى سلبيات التأني المفرط أنه يسرّب علامات على وجود تردّد في أروقة القيادة.

 

منذ 31 تموز (يوليو)، تاريخ اغتيال هنية، كان منتظراً أن يأتي الرد الإيراني سريعاً بعد أخذ تطورات نيسان (أبريل) الماضي بالاعتبار. في الأول من ذلك الشهر، قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في سوريا فاغتالت ضباطاً من الحرس الثوري. لم يتأخر الرد. في أقل من أسبوعين، أطلقت إيران نحو 300 مقذوف بين صواريخ باليستية وجوالة وطائرة بلا طيار. نجحت الدفاعات الإسرائيلية وتحركات حلفاء تل أبيب في اعتراض غالبيتها الساحقة.

 

نظرياً، كان من المفترض أن يأتي الانتقام على مقتل هنية أسرع من الانتقام لقصف القنصلية. إذا كانت إسرائيل لم ترتدع من هجوم 13 نيسان (أبريل)، فسيتعين على الرد التالي أن يكون أسرع وأقسى. أو على الأقل، إما أسرع أو أقسى. هذه المرة، خسرت إيران عنصر السرعة. وثمة احتمال كبير في أن تخسر عنصر القوة أيضاً. في الإجمال، يبدو أن إيران لا تريد الرد، إلا بطريقة رمزية ربما.

 

قلق من المياه

سبب ذلك التردد بحسب البعض تحريك أميركا بعض قطعها البحرية للدفاع عن إسرائيل، وبشكل محتمل، للهجوم على إيران. في هذا الإطار، تبرز غواصة "يو إس إس جورجيا" العاملة على الطاقة النووية. يوم 11 آب (أغسطس)، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين إرسال تلك الغواصة إلى جانب حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" إلى المنطقة. كما كتب المستشار البارز في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" دوف زاخيم، إن عمل حاملة الطائرة دفاعي بحت في المهمة الحالية، على عكس الغواصة النووية.

 

تستطيع تلك الغواصة حمل 154 صاروخاً من طراز "كروز" ويبلغ مدى تلك الصواريخ 1600 كيلومتر. تمكّن هذه المزايا أميركا من قصف منشآت نفطية في جزيرة خارك الإيرانية انطلاقاً من الحوض الشرقي للمتوسط. وبسبب قدرتها على التخفي، لن تستطيع إيران معرفة أنها تعرضت لضربات الغواصة إلا بعد أن تكون المنشآت قد دُمرت، "وربما ليس حتى حينها"، كما أضاف.

 
 
 

(غواصة "جورجيا" النووية، 2020 - عن البحرية الأميركية)

 

قد تشكل الغواصة أحد عوامل الردع، وإن كان ثمة أسئلة بشأن قوة هذا العامل. في النهاية، يصعب تصور أن يقوم الرئيس الأميركي جو بايدن بإصدار أمر بقصف إيران قبل انتخابات رئاسية متقاربة تجمع نائبته كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب. لن يخاطر بايدن بإشعال حرب، أو حتى بالظهور كمن يخاطر بإشعالها، في لحظة يمكن أن توصل من يصفه بـ "الخطر" على الديموقراطية الأميركية إلى البيت الأبيض.

 

حسابات موازية

حتى من دون وجود استحقاق مصيري كهذا، أظهر بايدن مراراً نفوره من استخدام القوة ضد إيران، في وقت كانت قواته تتعرض لهجمات من وكلائها في سوريا والعراق. وفي المرات القليلة التي اختار ضربهم أو ردعهم عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر كما هي الحال مع الحوثيين، كانت الضربات الأميركية خجولة.

 

مع افتراض تحقق شبه المستحيل وتكوّن قناعة لدى بايدن بضرورة ضرب إيران، لو تبين مثلاً أن ردها كان قاسياً على إسرائيل، لن يكون مستغرباً عمل مستشاريه على ثنيه عن هذا القرار، بما أن معظمهم موظفون سابقون في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. يعتقد البعض أن الأخير لا يزال يقود السياسة الإيرانية (والسياسات الداخلية للحزب الديموقراطي) من الكواليس، ودليلهم على ذلك اختياره مقر سكن قريباً من البيت الأبيض.

 
 
 

(إيرانيات يتظاهرن ضد الإسرائيليين بعد صلاة الجمعة، 19 نيسان 2024 - أب)

 

من المرجح أن تكون بعض الحسابات التي تدفع بايدن إلى التروي موجودة عند الإيرانيين أيضاً. فكما أن بايدن لا يريد المخاطرة بفوز ترامب، لا تريد إيران مجازفة مماثلة للسبب نفسه، وإن كان لمصالح مختلفة. في حال فوز ترامب، سيتعين على إيران الاستعداد لـ "حملة ضغط أقصى" قد تمتد لفترة أطول من المرحلة السابقة، حين انسحب من الاتفاق النووي في أيار (مايو) 2018.

 

إذا نجت طهران سنة 2020 من العقوبات، فقد لا تكون محظوظة إلى هذا الحد في المستقبل. تصح هذه المخاوف أكثر مع تقارير أميركية عن محاولات طهران اغتيال الرئيس السابق، بالرغم من أن الإيرانيين نفوا ذلك.

 

ماذا عن الميدان؟

يعود تردد إيران إلى عامل مرجح آخر وهو حجم الاختراق الإسرائيلي لها. مثّل اغتيال هنية داخل أحد أحياء طهران الراقية ضربة موجعة للأمن الإيراني. لم يكن ذلك الاختراق الأول من نوعه، لكنه أتى بعد سلسلة من الإصلاحات التي شهدتها الاستخبارات الإيرانية التابعة للحرس الثوري سنة 2022. حدث ذلك عقب اغتيالات متتالية لعلماء وقادة ميدانيين. يصعّب اختراق كهذا عملية صناعة القرار إن لم يصل إلى حد شلها؛ ما نفع الانتقام إن كان كثير من تفاصيله معروفاً سلفاً.

 

وحين ردت إسرائيل على إطلاق إيران مقذوفاتها الثلاثمئة، ضربت راداراً يحمي منشأة نطنز للتخصيب النووي بصاروخين. كان ذلك إشارة إلى أن تل أبيب قادرة على الوصول إلى أهداف إيرانية حساسة ومحمية، لكن أيضاً، بكلفة محدودة. ربما ضغط بايدن حينها على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كي "يكتفي الفوز"، لكن ما من ضمانة بأن ينجح هذه المرة أيضاً، طالما أن نتنياهو نفسه لن ينزعج من خسارة هاريس الانتخابات لو جرّ رده المنطقة إلى نزاع شامل أو حتى قرّبها منه.

 

ربما تضافرت كل هذه العوامل لتقيّد خيار إيران بالانتقام لاغتيال هنية. فهل ساهمت أيضاً في نقل طهران طلباً محتملاً من "حزب الله" كي يخفض حجم انتقامه الخاص لاغتيال شكر؟

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium