يوم الأربعاء، نشر موقع "ذا فري برس" أبرز ما جاء في وثيقتين منفصلتين من نحو ست صفحات مكتوبة بالفارسية وتكشف كيف أن مجلس الشورى (البرلمان) يوسع تمويل وشراء المعدات العسكرية لـ "منظمة الابتكار والأبحاث الدفاعية". تم تنزيل الصفحات التشريعية من الموقع الإلكتروني للمجلس لكن "فري برس" نشرها للمرة الأولى في الإعلام الغربي.
يذكر القانون أن "هذه المنظمة تركّز على إدارة واكتساب التقنيات المبتكرة والناشئة والرائدة والعالية المخاطر والمتفوقة استجابة للتهديدات الجديدة الناشئة". وأضاف الموقع أن القانون يحمي وزارة الدفاع الإيرانية من أي رقابة داخلية مع منحه ما يبدو أنه موازنة غير محدودة. وحين نشر البرلمان القانون على موقعه في أيار (مايو)، عرض التفصيل الأدق عن هيكلية "المنظمة" المستقلة قانونياً وإدارياً ومالياً، والتي ترفع تقريرها مباشرة للمرشد الأعلى. أتى ذلك بعدما أحاطتها السرية بشكل كبير.
في حديث إلى الموقع نفسه، قال ديفيد أولبرايت، محقق أممي سابق في برامج الأسلحة، إن الوثائق تظهر جرأة إيران ورغبتها بأن يعرف الجميع قدراتها المتزايدة، وأن يقلقوا منها. كما تريد "المنظمة" تطوير جميع أنواع الأسلحة وضمان تدفق الأموال إلى خزائنها.
"المنظمة" في إطارها الصحيح
قد تكون إضاءة "فري برس" على قرار مجلس الشورى حيال تمويل "المنظمة" هي الأولى من نوعها في الغرب. لكن إيران لم تحاول كثيراً إخفاء هذه المنظمة على أي حال. فقد ذكر تقرير لموقع "إذاعة طهران العربية" التابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون في إيران أن مجلس الشورى قد وافق في جلسته العامة يوم الاثنين 22 نيسان (أبريل) على قانون إنشاء "المنظمة" قبل أن يوافق عليه أيضاً مجلس صيانة الدستور في الأول من أيار (مايو).
ومن الممكن أن تكون التصريحات التي سبقت وتلت القانون الإيراني على المستوى نفسه من الأهمية. فالكثير منها، مثل تلك التي أطلقها المفاوض السابق علي أكبر صالحي في شباط (فبراير)، أكدت أن إيران قادرة على صنع القنبلة النووية لكنها تمتنع عن ذلك لأسباب مختلفة أهمها أنها لا تملك النية لذلك.
وفي حزيران (يونيو)، كان للمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي إريك بروير تقييم مشابه لأولبرايت إذ لاحظ في مقال نشرته "فورين أفيرز" وجود إصرار إيراني على أن يعرف العالم قدرات طهران النووية.
ضوء أخضر يكشف الوضع الملحّ
في تموز (يوليو) الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن فترة الاختراق النووي، أي الفترة التي تفصل دولة ما عن جمع ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية، قد انخفضت على الأرجح إلى أسبوع أو أسبوعين. وربما تكون تقديرات بلينكن نفسها متفائلة.
في تقرير صادر أواسط 2023 لـ "معهد العلوم والأمن الدولي" الذي يرأسه أولبرايت، أشار المعهد إلى أن الجدول الزمني لتحقيق إيران الاختراق النووي بات صفراً.
تريد إيران استغلال وضعها الحالي القريب من عتبة الاختراق للحصول على تخفيف ولو جزئياً للعقوبات، تحت مظلة اتفاق نووي محدّث. في الأسبوع الماضي، منح المرشد الأعلى علي خامنئي حكومته الضوء الأخضر للتفاوض مع الأميركيين. وقال خامنئي في 27 آب (أغسطس) أن "لا ضرر" في "التفاعل مع العدو في مواقف معينة" لكنه حذر من الثقة به.
يلعب الوضع الاقتصادي المتدهور دوراً أساسياً في الموافقة المبدئية على التفاوض. على سبيل المثال، تراجع الناتج المحلي الإجمالي لإيران بنحو 12 مليار دولار من سنة 2022 إلى سنة 2023، بالرغم من بقاء العقوبات على المستوى نفسه من الحدة. وبينما يشهد الشارع الإيراني احتجاجات دورية في السنوات السبع الأخيرة تقريباً، تصبح معالجة التدهور الاقتصادي أولوية قصوى لطهران.
وكان لافتاً التحذير الذي وجهته إيران لباكستان بأنها مستعدة لمقاضاة إسلام آباد أمام محكمة للتحكيم في باريس هذا الشهر، بسبب فشل الأخيرة في احترام اتفاق بناء خط أنابيب لنقل الغاز بين البلدين. تأجل المشروع لأكثر من عقد بسبب مخاوف باكستان من العقوبات الأميركية. جاء ذلك بالرغم من أن طهران أنجزت جانبها من الاتفاق سنة 2012 بينما لم تبدأ إسلام آباد حتى بتنفيذ تعهدها.
هل أطفأ الرد الأميركي الضوء الإيراني؟
تبدو إدارة الرئيس جو بايدن مترددة حيال المبادرة الإيرانية. بينما أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن الديبلوماسية أفضل طريقة لتحقيق حل فعال ومستدام للبرنامج النووي، أضافت أن الظروف غير مواتية الآن للتفاوض بسبب "عمليات التصعيد الإيراني في جميع المجالات". جاء ذلك التأكيد بعد طلب من وكالة "أسوشيتد برس" توضيح موقف الإدارة مما قاله المرشد الأعلى.
ربما تعتقد الإدارة فعلاً أن إيران غير جادة في مسعاها التفاوضي بعدما ربطت مطالبها السابقة بشروط غير متصلة بالبرنامج كرفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب، إلى جانب خفض تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. مع ذلك، قد تكون الإدارة راغبة بتفادي الإقدام على هذه الخطوة فقط لأنها في موسم انتخابات رئاسية. تحرص الإدارة، وقسم كبير من أعضائها خدموا في ولاية باراك أوباما، على إعادة إحياء ما تعتبره إرثاً أساسياً لها وللرئيس الأسبق. لكن اختيار هذا الظرف للقبول بالدعوة الإيرانية سيطلق رد فعل قاسياً من الجمهوريين.
مع إعلان التزامها بالخيار الديبلوماسي كأفضل حل للملف النووي، بالتوازي مع الإعراب عن عدم ثقتها بالنوايا الإيرانية، تحافظ الإدارة الديموقراطية على موقفها الأساسي من دون أن تبدو ضعيفة أمام الجمهوريين. بهذا المعنى، تحصل الإدارة على "أفضل العالمَين معاً"، بانتظار الفوز في تشرين الثاني (نوفمبر) والانصراف لاحقاً، في حال تحقق الانتصار، لمعاودة البحث مع الإيرانيين في كيفية إحياء الاتفاق.
من غير المرجح أن يكون المرشد الأعلى قد حوّل ضوأه الأخضر إلى أحمر بمجرد سماع الرد السلبي من الإدارة الأميركية على مقترحه. على الأغلب، هو يدرك، من خلال التجربة، أن الرد موجه بمعظمه إلى الداخل الأميركي لا الإيراني.