يوم الثلاثاء الماضي، فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عقوبات على أسطول خطوط "إيران إير" الجوية المؤلف من 67 طائرة. عزت الإدارة أسباب العقوبات إلى نقل طهران صواريخ باليستية إلى روسيا كي تستخدمها في حربها ضد أوكرانيا. وشاركت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في فرض العقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية التي ستُمنع عملياً من التوجه إلى أوروبا الغربية.
يوم الجمعة، ناقش بايدن مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مخاوفهما من التعاون بين إيران وروسيا وانعكاساته على الميدان في أوكرانيا. ففي حين تواصل روسيا إلى حد ما تقدمها في منطقة دونيتسك، من المتوقع أن تواصل استهدافها البنى التحتية للطاقة الأوكرانية على أبواب الشتاء. ستساعد الصواريخ الإيرانية القوات الروسية على تحقيق بعض أهدافها. ويبدو أن وكالات الاستخبارات الأميركية والبريطانية لفتت الأسبوع الماضي إلى أن روسيا حصلت على نحو 200 من صواريخ "فاتح-360" ومداها 120 كيلومتراً كانت متجهة إليها في سبع شحنات غير مخفية بشكل محكم. غير أن الميدان الأوكراني ليس عامل القلق الوحيد لدى الغرب.
في 14 أيلول (سبتمبر)، نقلت صحيفة "الغارديان" عن مصادرها أن بايدن وستارمر تخوفا من حصول إيران على التكنولوجيا النووية الروسية مقابل الصواريخ التي ترسلها إلى موسكو. ويوم العاشر من أيلول، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال مؤتمر صحافي جمعه بنظيره البريطاني ديفيد لامي في لندن إن "روسيا تشارك تكنولوجيا تسعى إليها إيران (...) بما فيها حول قضايا نووية فضلاً عن بعض معلومات الفضاء".
ونقلت شبكة "بلومبرغ" معلومات مشابهة أيضاً لما ورد في تقرير "الغارديان". من جهته، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن مزاعم نقل إيران صواريخ باليستية إلى روسيا هي "بروباغندا قبيحة" هدفها التغطية على "الدعم العسكري الضخم غير المشروع الذي تقدمه الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية للإبادة الجماعية في قطاع غزة".
إيران والسلاح النووي
تنفي إيران نيتها بناء سلاح نووي وتقول إن مساعيها النووية مخصصة لأغراض مدنية. لكن تصريحات بعض مسؤوليها لا تتطابق دوماً مع هذا النفي، وإن كانوا يحاولون لوم الغرب على ما قد تقوم به إيران لاحقاً. ففي شباط (فبراير) 2021، قال وزير الاستخبارات السابق آية الله محمود علوي في تلميح إلى إمكانية حصول إيران على السلاح النووي إنه "إذا دُفعت إيران إلى الزاوية، فقد لا يكون (بناء السلاح) خطأها بل خطأ الذين يدفعونها" بهذا الاتجاه. وفي نيسان (أبريل) 2024، قال جنرال إيراني في الحرس الثوري إن بلاده قد تراجع عقيدتها النووية إذا هاجمت إسرائيل منشآتها النووية.
إن تحقيق أي دولة للاختراق النووي لا يعني بالضرورة بناء القنبلة النووية ومعها أداة التسليم والتفجير وهو أمر يحتاج عادة إلى ما لا يقل عن عام ونصف العام من الوقت. ربما تريد إيران من روسيا مساعدتها على اختصار تلك المرحلة أو على امتلاك المعرفة اللازمة لإنجاح هذا الهدف. يمكن أن تلبي روسيا بعض المطالب الإيرانية بالحد الأدنى ضمن حرب "المنطقة الرمادية" التي تخوضها مع الغرب. ومن الطبيعي بالمقابل ألا تقدّم إيران صواريخها الباليستية إلى روسيا مجاناً. "هذا شارع بمسارين" كما قال بلينكن.
بين كوريا الشمالية وإيران
اشتبه خبراء في أن تكون روسيا قد ساعدت كوريا الشمالية على إطلاق قمر اصطناعي للتجسس العسكري إلى الفضاء السنة الماضية بعدما منحتها بيونغ يانغ أسلحة من ترسانتها. حصل ذلك عقب فشل كوريا الشمالية مرتين في إطلاق قمرها الاصطناعي. لكن للمفارقة، قد تحصل إيران على ما هو أهم بالنسبة إلى برنامجها النووي، بالمقارنة مع ما حصلت عليه كوريا الشمالية. ففي حالة بيونغ يانغ، ربما أمكن الأخيرة انتظار نتائج بعض التجارب الإضافية للحصول على الخبرات والمعرفة التي كانت تنقصها. في حالة طهران، الأمر مختلف كما يجادل الكاتب في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية مارك ألموند.
يرى ألموند أن من بين الأمور المهمة التي كانت تنقص إيران هو جهاز تفجير للرأس النووي. وبما أن تجربة كهذه ستطلق هزة أرضية صغيرة، سترصد إسرائيل ارتداداتها وتطلق عملية انتقامية ضد إيران. لهذا السبب، قد تمثل الخبرة الروسية المقدمة إلى طهران وسيلة لحصول الإيرانيين على جهاز التفجير من دون الاضطرار إلى المخاطرة بإجراء التجربة نفسها.
قفزة نوعية... ولكن
فرضية ألموند غير مؤكدة لكنها جديرة بالنقاش. يمكن أن تصبح إيران دولة مسلحة نووياً بعد فوات الأوان كي يتحرك الغرب ضدها. ويشتبه الخبراء في المجال النووي بوجود مخزون إيراني من اليورانيوم المخصب بدرجات مختلفة لبناء بضعة رؤوس نووية في أشهر قليلة. في حديث إلى "أسوشيتد برس" شهر شباط الماضي، قال مساعد نائب الرئيس لـ "مبادرة التهديد النووي" ومقرها واشنطن إريك بروير إن إيران قادرة على بناء ثلاث قنابل نووية من اليورانيوم المخصب لديها بنسبة 60 في المئة. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن مخزون إيران من الوقود النووي ارتفع بين حزيران (يونيو) وآب (أغسطس) بما يكفي لتغذية بعض الرؤوس الحربية إذا أقدمت إيران على اتخاذ القرار السياسي بتصنيع الأسلحة النووية.
وهذا يعني أن مساعدة روسيا المحتملة لإيران على بناء جهاز تفجير قد تمنحها قفزة نوعية وكمية في إمكاناتها النووية. مع ذلك، يطرح هذا الاحتمال أسئلة عدة، من بينها: هل تستطيع روسيا تحمل مخاطرة انتشار سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط إذا امتلكت إيران القنبلة؟ وماذا عن علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي في هذه الحال؟ أخيراً وليس آخراً، هل تستطيع روسيا تحمل دولة نووية قريبة من حدودها الجنوبية، حتى ولو كان اسمها إيران، الدولة التي جمعتها بها في الماضي علاقات تاريخية مضطربة؟