كان لإعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الإثنين، أنه طلب إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، وقع الصاعقة على الطبقة السياسية في إسرائيل حكماً ومعارضة، وشكلت معادلاً سياسياً لهجوم حركة "حماس" في 7 تشرين الأول (اكتوبر) من العام الماضي.
ويقتضي طلب خان الذي شمل أيضاً توقيف رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية وزعيم الحركة في غزة يحيى السنوار وقائد "كتائب عز الدين القسام" محمد الضيف بتهمة "ارتكاب مجازر" في 7 تشرين الأول في غلاف غزة، موافقة ثلاثة قضاة في المحكمة الجنائية الدولية ليصار إلى إصدار المذكرات رسمياً. ويمكن لهيئة الادعاء أن تصدر المذكرات في غضون أسابيع وقبل عطلة المحكمة التي تبدأ في آب (أغسطس).
توحد قادة إسرائيل في التنديد وشجب قرار كريم خان، على غرار ما توحدوا في حربهم على غزة، وزاد من الغضب ما أطلق عليه نتنياهو "المقارنة" في مذكرة التوقيف بين المسؤولين الإسرائيليين وقادة حركة "حماس" الذين شملتهم المذكرة بسبب هجوم الحركة على غلاف غزة.
وأخفقت حملة ضغط أميركية وإسرائيلية قوية، كي لا تصدر مذكرات توقيف بحق القادة الإسرائيليين عن المحكمة الجنائية. لكن المدعي العام، أجاب بحسم "لن أخضع للأقوياء"، وصولاً إلى إعلانه الإثنين، أنّه يسعى للحصول على مذكرات توقيف ضدّ نتنياهو وغالانت بتهم ارتكاب جرائم تشمل "التجويع" و"القتل العمد" و"الإبادة و/أو القتل" في قطاع غزة.
وبخلاف الثناء الذي أسبغه الرئيس الأميركي جو بايدن على قرار كريم خان عام 2023 إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة التورط في ترحيل أطفال أوكرانيين من بلادهم إلى روسيا باعتباره عملاً يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية، سارع بايدن نفسه إلى وصف قرار كريم خان بأنه "شائن"، وليذكر بأن الحرب الإسرائيلية على غزة "ليست إبادة".
واستنفر أعضاء الكونغرس بمعظم ديموقراطييه وكامل جمهورييه للتنديد بالقرار وبالسعي إلى إصدار تشريع يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.
ونظمت اللجنة الأميركية-الإسرائيلية للشؤون العامة "إيباك" على عجل رحلة لثلاث شخصيات من فريق الرئيس السابق دونالد ترامب برئاسة روبرت أوبراين إلى إسرائيل للإعراب عن التضامن مع إسرائيل في محنتها السياسية والقانونية. وهذا الاتصال الأول بين فريق ترامب ونتنياهو منذ ثلاثة أعوام ونصف عام.
ترامب كان قد أخذ على رئيس الوزراء الإسرائيلي تهنئته بايدن على الفوز بالرئاسة عام 2020، وعدم التضامن معه باعتبار أن الانتخابات "سُرقت" منه.
وفد ترامب ذكّر نتنياهو بأن الرئيس السابق كان محقاً عندما فرض عقوبات عام 2020 على المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام، عندما قررت النظر في ما إذا كانت القوات الأميركية قد ارتكبت جرائم حرب في أفغانستان.
وحده السناتور الأميركي بيرني ساندرز غرد خارج سرب المشرعين الأميركيين الداعين إلى معاقبة المحكمة، مؤكداً أن "الأسرة الدولية يجب أن تدعم القانون الدولي".
والولايات المتحدة وإسرائيل ليستا من الدول الموقعة على النظام الأساسي لمعاهدة روما التي تأسست المحكمة بموجبها عام 1998. لكن الممثل الأميركي إلى مفاوضات روما ديفيد شيفر، اعتبر أن إصدار مذكر توقيف بحق نتنياهو وغالانت قد ينطوي "على مخاطر بالنسبة إلى المحكمة، لكن ماذا يفترض بالمحكمة أن تفعل في نهاية المطاف؟".
وهناك أكثر من 120 دولة موقعة على القانون الأساسي للمحكمة - وتوفر موازنة لها بـ200 مليون دولار - والعديد من هذه الدول ترغب في إصدار إجراء بحق إسرائيل. وبحسب شيفر: "هناك عالم كامل هنا غير الولايات المتحدة".
وتأسست المحكمة التي كانت تحظى بدعم الولايات المتحدة كجزء من من جهد لإيجاد محكمة دائمة تخلف المحاكم التابعة للأمم المتحدة التي شهدت محاكمات تتعلق بنزاعات يوغوسلافيا السابقة ورواندا.
وبما أن النظام الأساسي للمحكمة منحها صلاحيات مستقلة واسعة، امتنعت دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا والصين والهند وباكستان عن الانضمام إليها.
الهجوم الأميركي على المحكمة في قضية غزة، يضعف الإجراءات بالنسبة إلى قضية أوكرانيا. ومسارعة فرنسا إلى تأييد طلب المدعي العام للمحكمة يشير أيضاً إلى أن الحسابات الأوروبية قد لا تكون متطابقة هنا.
على أن إعلان خان الذي أتى في وقت تنظر محكمة العدل الدولية في دعاوى رفعتها جنوب أفريقيا بحق إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة، يفاقم من نزع الشرعية الدولية عن إسرائيل، ويزيد من عزلتها والولايات المتحدة.