انزلقت إسرائيل لمزيد من العزلة الدولية الأربعاء بعد أن خالفت ثلاثُ دول أوروبية موقفاً تنتهجه باقي دول الاتحاد الأوروبي وأعلنت نيّتها الاعتراف بدولة فلسطينية، بما يضيف لضغوط عالمية آخذة في التصاعد بالفعل على إسرائيل بسبب زيادة حادّة في عدد القتلى في الحرب بقطاع غزة.
وليس للخطوة، التي وصفها متحدّث باسم الحكومة الإسرائيلية بأنّها "مشينة"، تأثير عملي يذكر في قطاع غزة الذي تحوّل جزء كبير منه إلى أطلال وحطام أو في الضفة الغربية المحتلّة. ومع تعرّضها لضغوط وحجب للأموال من إسرائيل، تواجه السلطة الفلسطينية في الضفّة صعوبات جمّة حتى في دفع رواتب موظّفيها.
لكن الخطوة تأتي في إطار تراكم المشاكل على إسرائيل، إذ حذّرت واشنطن من أنّها قد تحجب بعض الأسلحة عنها إذا استمرت حرب غزة وفرضت كذلك عقوبات على مستوطنين ينتهجون العنف. وتواجه إسرائيل اتّهامات بالإبادة الجمعية أمام محكمة العدل الدولية واحتمال إصدار مذكّرة اعتقال لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو من المحكمة الجنائية الدولية.
وقاوم نتنياهو لفترة طويلة فكرة حل الدولتين وزادت مقاومته لتلك الفكرة شراسة منذ أن عاد للسلطة على رأس حكومة ائتلافية مع أحزاب يمينية قومية ودينية متطرّفة بنهاية 2022.
وتظل حكومته تنظر بشكوك عميقة للسلطة الفلسطينية التي تشكّلت قبل ثلاثة عقود بموجب اتفاقات أوسلو الموقتة للسلام وتتّهمها بتصرّفات عدائية منها دفع أموال لأسر مسلّحين قتلتهم القوّات الإسرائيلية وتشجيع معاداة السامية في الكتب المدرسية.
ووصف نتنياهو نفسه قرار الدول الثلاث بأنه "مكافأة للإرهاب" وقال إن دولة فلسطينية ستحاول "تكرار مذبحة السابع من تشرين الأول (أكتوبر) مراراً".
ويسلّط هذا التعليق الضوء على الأجواء التي تشبّعت بالمرارة بتأثير الحرب في قطاع غزة ومدى صعوبة التوصّل لتسوية سياسية على أساس دولة فلسطينية مستقلّة بجانب إسرائيل، في ما يبدو الطريق مغلقاً أمام إمكانية إجراء محادثات سلام.
واستدعت إسرائيل سفراءها من أوسلو ومدريد ودبلن ردّاً على الخطوة. واستدعت وزارة الخارجية سفراء الدول الثلاث لتعرض عليهم لقطات فيديو لهجوم "حماس" على إسرائيل.
وترى محلّلة شؤون الشرق الأوسط في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدّمة في واشنطن لورا بلومنفيلد أن قرار الدول الثلاث "جريء دبلوماسياً لكنّه لا ينم عن إدراك (للحساسيات) وغير مثمر".
وتابعت قائلة "بالنسبة للإسرائيليين سيزيد من الارتياب وسيعزّز ما يقوله نتنياهو عن أن الإسرائيليين يقفون وحدهم... بالنسبة للفلسطينيين فإنه يرفع سقف التوقّعات بصورة غير حقيقية بدون أن يحدّد سبيلاً صوب إدراك الأحلام الوطنية المشروعة".
الثمن على المدى الأطول
بالنسبة لنتنياهو الذي يجد صعوبة في الحفاظ على تماسك ائتلاف منقسم في زمن الحرب والذي تحملّه إسرائيل على نطاق واسع مسؤولية كارثة السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، قد يدعمه إعلان الأربعاء موقتاً بتعزيز صورة التحدّي في مواجهة عالم معاد.
وقال المتخصّص في العلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس يوناتان فريمان "هذا يعزّز حقّاً الرواية التي سمعناها منذ اليوم الأول لهذه الحرب ومفادها أنه في النهاية لا يمكننا الاعتماد إلا على أنفسنا... وأعتقد أن هذا قد يساعد تفسير الحكومة الإسرائيلية وتوصيفها لما تفعله في هذه الحرب".
لكن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل على المدى الطويل لاعتراضها طريق التحرّك نحو إقامة دولة فلسطينية قد يكون أفدح، بدءاً من تضييع الهدف الثمين المتمثّل في تطبيع العلاقات مع السعودية الذي كان الهدف الرئيسي لنتنياهو في السياسة الخارجية قبل الهجوم.
ولفت وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمام لجنة بمجلس الشيوخ الثلثاء إلى أن التوصّل إلى اتّفاق مع السعودية يقتضي تحقيق هدوء في غزة وتعبيد "مسار موثوق به" نحو إقامة دولة فلسطينية.
وأضاف "وربما يكون... أن إسرائيل في هذه اللحظة غير قادرة أو غير راغبة في السير على هذا الدرب".
وما زال من المؤلم جدّاً بالنسبة للإسرائيليين تذكر مشاهد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) حين اجتاح مسلّحون بقيادة "حماس" تجمّعات سكانية محيطة بقطاع غزة وقتلوا نحو 1200 شخص واحتجزوا نحو 250 أسيراً.
لكن خارج إسرائيل، ساعدت صور المعاناة في قطاع غزة بعد مقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني في إذكاء حركة احتجاجية واسعة النطاق في حرم الجامعات الأميركية وشوارع المدن الأوروبية. ودمّرت الحملة الإسرائيلية، التي ما زالت مستمرّة، جزءاً كبيراً من القطاع الساحلي الضيق.
بالنسبة لكل من الإدارة الأميركية وحكومات أخرى منها ألمانيا، وهما صديقتان تقليديتان لإسرائيل، فإن الاحتجاجات الغاضبة تكبّدهما كلفة سياسية تتزايد فداحة.
ويقول كلا البلدين إن الاعتراف بدولة فلسطينية يتعيّن أن يأتي نتيجة مفاوضات وليس من خلال إعلانات فردية. ورفضت دول أوروبية كبيرة أخرى مثل فرنسا وبريطانيا الانضمام إلى الثلاثي الذي أعلن استعداده الاعتراف بدولة فلسطينية.
لكن المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ألون ليل، وهو منتقد لحكومة نتنياهو، يعتقد أن اعتراف الدول بشكل منفرد بفلسطين أقل أهمية من السياق الأوسع الذي يتضمّن القضايا المقامة ضد إسرائيل وقادتها في المحاكم الدولية في لاهاي.
وقال "إذا كان ذلك ضمن تحرّك أوسع يثير الزخم وجزءا من تحرّكات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والعقوبات على المستوطنين وغيرها، فهناك فرصة أن تلاحظ إسرائيل أن العالم موجود".