في عشرات البلدات والقرى بشمال إسرائيل، التي أخليت لأنها في مرمى النيران التي يطلقها "حزب الله" بالتوازي مع حرب غزة، يأمل المسؤولون في أن تحل أجراس المدارس محل صفارات الإنذار اليومية للتحذير من الصواريخ عندما يبدأ العام الدراسي في أول أيلول (سبتمبر).
وأصبح هذا الموعد قضية مطروحة مثيرة للخلاف داخل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو ما يشكل اختبارا لتماسكها ومصداقيتها.
وهناك 14,600 طفل من أصل 60 ألف مدني نقلوا من شمال إسرائيل في بداية الحرب موزعون على رياض الأطفال والمدارس المؤقتة أو المباني التي أعيد توظيفها لتكون مراكز رعاية نهارية أو فصول دراسية مؤقتة في جميع أنحاء البلاد.
وقال وزير التعليم يوآف كيش إن إسرائيل تنفق 38 مليون دولار على بناء رياض أطفال ومدارس جديدة بعيدة عن مرمى الصواريخ في الشمال لاستقبال الأطفال إذا لم تصبح مدارسهم الأصلية آمنة وجاهزة بحلول أول أيلول.
وذكر أنه إذا تبين أنه لا احتياج للمباني الجديدة فمن الممكن إيجاد استخدامات أخرى لها.
وأضاف في مقابلة مع رويترز: "أتمنى ألا يستخدم هذا الاستثمار لصالح الأطفال الذين يعيشون على الحدود".
وسيستغرق الأمر شهرا على الأقل لإعداد المدارس في الشمال لاستيعاب التلاميذ في العام المقبل، ويقع بعض هذه المدارس في تجمعات سكنية متهالكة ومليئة بالركام.
وأضاف كيش: "وبالتالي إذا توصلنا لحل في أول آب، نعلم أننا نستطيع البدء في أول أيلول... وإذا لم نتمكن من ذلك سنحول كل تركيزنا إلى الخيار الآخر".
"تجاوزنا الحد"
يقول معلمون إن العديد من التلاميذ القادمين من الشمال يتخلفون عن الحضور لأنهم يعانون من اضطرابات ويجدون صعوبات في أداء واجباتهم المدرسية داخل أماكن الإقامة الضيقة التي توفرها الدولة لأسرهم. ويقول كيش إن معدل التسرب من المدارس الثانوية قد يصل إلى خمسة بالمئة أي حوالي ضعف المعدل في أنحاء إسرائيل.
ويتطلع بعض أولياء الأمور إلى الاستقرار بشكل دائم في أماكن جديدة في تخلي عن العودة إلى أماكن إقامتهم القديمة.
وقال عوفر زعفراني مدير مدرسة دانزيجر الثانوية التي انتقلت من مدينة حدودية إلى سطح دار سينما خارج تل أبيب: "لست متأكدا من أن جميع مواطني كريات شمونة سيعودون إليها".
وأردف قائلا لرويترز وصخب التلاميذ حوله: "ندرك أن هذا هو الثمن الذي يجب أن ندفعه... لكنني أعتقد أننا تجاوزنا الحد. وهذا كثير".
وتمكنت بعض العائلات الإسرائيلية في الجنوب، وحتى في التجمعات السكنية المجاورة لقطاع غزة، من العودة إلى ديارها بينما تعمل القوات الإسرائيلية المسلحة عبر السياج على وقف إطلاق الصواريخ.
وقال زعفراني إن المواطنين من الشمال بحاجة إلى فرصة مماثلة للعودة إلى ديارهم.
وأضاف: "يجب أن نعود، وليس مجرد عودة، بل يجب أن يكون هناك حل للوضع في الشمال، مثل الجنوب، حتى نشعر بالأمان".
وفي غزة، دمرت الحملة التي تشنها إسرائيل منذ ثمانية أشهر للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المنظومة التعليمية في القطاع.
جبهتان متداخلتان
حتى الآن، لا يزال تبادل إطلاق النار على الجبهة الشمالية لإسرائيل، الذي يدور بالتوازي مع الحرب في غزة، محدود النطاق دون أن يتطور لحرب شاملة داخل لبنان كتلك التي خاضتها إسرائيل ضد "حزب الله" قبل 18 عاما.
لكن عشرات الأشخاص قتلوا من الجانبين. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أنه جرى إجلاء 90 ألف مدني، نحو ثلثهم من الأطفال ومعظمهم مسجلون حاليا في مدارس جديدة.
وتهدد إسرائيل بإمكانية تصعيد الوضع لاجتياح في لبنان في أي لحظة، لكنها تترك الباب مفتوحا أيضا أمام هدنة يمكن التوصل إليها بوساطة أميركية أو فرنسية من شأنها أن تبقي المقاتلين المدعومين من إيران بعيدا عن الحدود.
وقال نتنياهو أثناء جولة على الحدود في 23 أيار (مايو) إن إسرائيل لديها "خطط مفصلة ومهمة وحتى مذهلة" لإبعاد "حزب الله" "لكننا لن نسمح للعدو باكتشافها".
وكان رفضه الدخول في التفاصيل أو التواريخ سببا في إثارة انتقادات من جانب غانتس المنافس السياسي الذي تحول إلى شريك في حكومة الحرب الإسرائيلية والذي هدد بالانسحاب من هذه الحكومة بسبب ما وصفه بأنه غياب الاستراتيجية الواضحة.
كما زار غانتس الشمال في نفس الوقت الذي زاره فيه نتنياهو، في موكب منفصل.
وقال غانتس: "أدعو الحكومة إلى البدء في الاستعداد، ومن اليوم، لإعادة السكان بأمان إلى منازلهم بحلول الأول من ايلول، سواء بالقوة أو بالاتفاق... يجب ألا نسمح بضياع عام آخر في الشمال".
والجبهتان متداخلتان، فـ"حزب الله" يقول إنه سيواصل القصف طالما استمرت الحرب الإسرائيلية مع مقاتلي "حماس". والجماعتان المسلحتان متحالفتان مع إيران.
وفي إطار الترويج لهدنة في غزة، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن مكسب كبير يتمثل في هدوء في جنوب لبنان.
لكن بعض المسؤولين الإسرائيليين يخشون أن تتقطع بهم السبل وأن "حماس" قد ترى، بمجرد عودة سكان الشمال، فرصة لتوجيه ضربة أخرى معتقدة أن إسرائيل ستحجم عن الرد خشية أن يستأنف "حزب الله" الهجمات بما يفرض عمليات إجلاء جديدة.
وفي الوقت نفسه، يقول مسؤولو تعليم إسرائيليون إنهم يستعدون أيضا لسيناريو أكثر تدميرا بكثير وهو حرب شاملة مع "حزب الله". ومن المرجح أن يضع ذلك إسرائيل بأكملها تحت تهديد صواريخ الجماعة. وقال كيش إنه بعد ذلك سيتم إغلاق معظم مدارس البلاد بسبب فرار المدنيين إلى الملاجئ.
وقال كيش، الذي كان نائبا لوزير الصحة في إسرائيل خلال عمليات الإغلاق وترتيبات التعلم عن بعد التي فرضتها جائحة كورونا "إذا كانت العملية طويلة، فسيكون هناك تعلم من المنزل أيضا".
وأضاف: "لكنني آمل أن نتمكن، من خلال حرب مركزة وفعالة للغاية، من إبعاد هذا التهديد عن طريقنا بسرعة كبيرة".